للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ترجيح قولها، ولم يذكره في الحديث بعينه؛ إذ لم تَدعُ حاجةٌ إليه، فيمكن أن يقال: إن الولد كان في يد الكبرى، وعلم عجز الأخرى عن إقامة البيِّنة، فقضى به لها إبقاء لما كان على ما كان. وهذا تأويل حسن لا يمنعه اللفظ، وتشهد له قاعدة الدعاوي الشرعية التي يبعد اختلاف الشرائع فيها. فإن قيل: فإن كان داود - عليه السلام - قضى بسبب شرعي، فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه؟ !

فالجواب: أن سليمان - عليه السلام - لم يتعرَّض لحكم أبيه بالنقض، وإنَّما احتال حيلة لطيفة، ظهر له بسببها صدق الصغرى. وهي: أنَّه لَمَّا قال: هات السكين أشقه بينهما! فقالت الصغرى: لا. ظهر له من قرينة الشفقة في الصغرى، وعدم ذلك في الكبرى مع ما عساه انضاف إلى ذلك من القرائن ما حصل له العلم بصدقها فحكم لها. ولعله كان ممن سُوِّغ له أن يحكم بعلمه، ولعل الكبرى اعترفت بأن الولد للصغرى عندما رأت من سليمان الجزم والجِدّ في ذلك، فقضى بالولد للصغرى. ويكون هذا كما إذا حكم الحاكم باليمين، فلما مضى ليحلف حضر من استخرج من المنكر ما أوجب إقراره، فإنَّه يحكم عليه بذلك الإقرار قبل اليمين، وبعدها، ولا يكون ذلك من باب نقض الحكم الأول، ولكن من باب: تبدل الأحكام بحسب تبدل الأسباب. والله أعلم.

وفي هذا الحديث: أن الأنبياء - عليهم السلام - سُوِّغ لهم الحكم بالاجتهاد، وهو مذهب المحققين من الأصوليين، ولا يُلتفت لقول من يقول: إن الاجتهاد إنما يسُوِّغ عند فقد النَّصِّ، والأنبياء عليهم السلام لا يفقدون النصّ، فإنَّهم مُتَمِكِّنون من استطلاع الوحي وانتظاره؛ لأنَّا نقول: إذا لم يأتهم الوحي في الواقعة صاروا كغيرهم في البحث عن معاني النصوص التي عندهم. والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين: أنَّهم معصومون عن الغلط والخطأ، وعن التقصير في اجتهادهم، وغيرهم ليس كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>