من أعيان المذهب، وهذا واضحٌ في "المفهم" عندما يعرضُ لمذهب مالكٍ وطريقتِه في الاستدلال، ثم المذاهب الفقهية الموافقة والمخالفة، وطرق استدلالها، ويُعلنُ أبو العبَّاس في كثير من الأحيان رأيَه الحرّ من خلال الدليل، مؤيِّدًا أو مُعارِضًا، مُستَشْهِدًا بالأدلة الواضحة والرَّاجحة.
وأنه ثانيًا: محدِّث عارفٌ، وحافظ عدلٌ، تَلقَّى مرويَّاتِه، وبخاصة الصحيحين؛ سماعًا وقراءةً على الشيوخ الأثبات، وكان حرصه ظاهرًا على رواية كلَ لفظة بالضبط التام، وهذا من أعظم مميزات شرح المشكل من تلخيص كتاب مسلم كما سنرى في منهج المؤلف رحمه الله تعالى في كتابها "المفهم".
٤ - مواقفه وآراؤه:
نسخنا، وضبطنا، عشرَ مجلدات كاملة، تزيد صفحاتها على أربعة آلاف، وكنا نُنصتُ للإمام أحمد بن عمر بيقظة تامة وحضور كامل، وهو يشرحُ كلمةً غريبة، بعد إيراد روايته لها، واستعراضِ أصلها وأوجه اشتقاقها، وتعدُّد معانيها، واختيار الأقرب والأنسب. أو وهو يتصدَّى للروايات المتعدّدة، لاستبعاد المشكل، وتأويل المختلف منها. أو وهو يكشفُ بنور إيمانه الوضَّاء ظلماتِ الأهواء الضالَّة، والدعواتِ الفاسدة.
ونتمنى في غمرة ذلك كلِّه أن يُطِلَّ علينا الإمام القرطبي بشخصه، ليُحدِّثنا عن نفسه في أي جانب من جوانب حياته الخاصَّة والعامَّة، وكان هذا قليلًا ونادرًا، وكم أثلجَ صُدورنا عندما أعلنَ في شرحه لمشكل كتاب الرؤيا أنه تردَّد في السفر من تونس إلى مصر، وهو في طريقه إلى الحجِّ، بسبب الأخبار السيئة التي سمعها عن البلاد المصرية من جهة العدو الذي غلب على دمياط. ثم رأى في المنام كأنه في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قريب من منبره .. ثم عزم على السفر، ووصل المدينة المنورة، ورأى المسجد والقبر وقال: فرأيته والله في اليقظة على النحو الذي رأيته في المنام من غير زيادة ولا نقصان.
وكان هدفنا أن نصل إلى استكشاف شخصيته من كلامه، وأن نؤرِّخَ له من خلال