للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[(٣٦) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين]

[٢٥٥٢] عن أبي بكر، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِندَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِن رَجُلٍ بَعدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَفضَلُ مِنهُ فِي كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَيحَكَ، قَطَعتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ-،

ــ

(٣٦) ومن باب: كراهة المدح

قوله: ويحك! قطعت عنق صاحبك، وفي حديث أبي موسى: قطعتم ظهر الرجل) كل ذلك بمعنى أهلكتموه. وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: إياكم والمدح؛ فإنَّه الذبح (١). ويعني بذلك كله أن الممدوح إذا أكثر عليه من ذلك يُخاف عليه منه العجب بنفسه، والكبر على غيره، فيهلك دينه بهاتين الكبيرتين، فإذًا المدح مظنة الهلاك الديني، فيحرم، لكن هذه المظنة لا تتحقق إلا عند الإكثار منه، والإطراء به، وأما مع الندرة والقلة؛ فلا يكون مظنة، فيجوز ذلك إذا كان حقا في نفسه، ولم يقصد به الإطراء، وأمن على الممدوح الاغترار به. وعلى هذا يحمل ما وقع للصحابة - رضي الله عنهم - من مدح بعضهم لبعض مشافهة ومكاتبة. وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة نظما ونثرا، ومدح هو أيضًا جماعة من أعيان أصحابه مشافهة، لكن ذلك كله إنما جاز لما صحت المقاصد، وأمنت الآفات المذكورة.

و(قوله: إن كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانا؛ إن كان يرى أنه كذلك) ظاهر هذا أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدا ما وجد من ذلك مندوحة، فإن لم يجد بدا مدح لما يعلمه من أوصافه، وبما يظنه، ويتحرز من


(١) رواه أحمد (٤/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>