(قوله: إِنَّكَ سَتَقدَمُ عَلَى قَومٍ أهل كِتَابٍ) يعني به: اليهودَ والنصارى؛ لأنهم كانوا في اليمنِ أكثرَ مِن مشركي العَرَبِ أو أغلَبَ، وإنما نبَّهه على هذا؛ ليتهيَّأَ لمناظرتهم، ويُعِدَّ الأدلَّةَ لإفحامهم؛ لأنَّهم أهلُ عِلمٍ سابقٍ، بخلافِ المُشرِكين وعَبَدَةِ الأوثان.
و(قوله: فَليَكُن أَوَّلَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ عِبَادَةُ اللهِ) قد تقدَّم أنَّ أصلَ العبادةِ التذلُّلُ والخضوع، وسُمِّيَت وظائفُ الشرعِ على المكلَّفين: عباداتٍ؛ لأنَّهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذلِّلين لله تعالى. والمراد بالعبادة هنا: هو النطقُ بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله؛ كما جاء في الرواية الأخرى مفسَّرًا: فَادعُهُم إِلَى شَهَادَةِ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ.
و(قوله: فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخبِرهُم) أي: إن أطاعوا بالنطق بذلك، أي: بكلمتي التوحيد؛ كما قال في الرواية الأخرى: فَإِن هُم أَطَاعُوا بذَلِكَ فَأَعلِمهُم، فسمَّى الطواعية بذلك والنطقَ به: معرفةً؛ لأنَّه لا يكونُ غالبًا إلا عن المعرفة. وهذا الذي أَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - به معاذًا، هو الدَّعوَةُ قبلَ القتالِ؛ التي كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي بها أُمَرَاءَهُ، وقد اختُلِفَ في حُكمها على ما يأتي في الجهاد.
وعلى هذا فلا يكونُ في حديث معاذٍ حُجَّةٌ لمن تمسَّكَ به من المتكلِّمين على أنَّ أوَّلَ واجبٍ على كلِّ مكلَّفٍ: معرفةُ الله تعالى بالدليل والبرهان، بل هو حُجَّةٌ لمن يقول: إنَّ أَوَّلَ