للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيهِم خَمسَ صَلَوَاتٍ فِي يَومِهِم وَلَيلَتِهِم، فَإِذَا فَعَلُوا،

ــ

الواجباتِ التلفُّظُ بكلمتَيِ الشهادةِ، مُصَدِّقًا بها.

وقد اختلف المتكلِّمون في أوَّل الواجبات على أقوالٍ كثيرةٍ، منها ما يَشنُعُ ذكره، ومنها ما ظَهَرَ ضعفه، والذي عليه أئمَّةُ الفتوى، وبهم يُقتَدَى كمالكٍ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأحمدَ بن حنبل، وغيرِهِم من أئمَّةِ السلف: أنَّ أوَّلَ الواجباتِ على المكلَّف: الإيمانُ التصديقيُّ الجَزمِيُّ الذي لا رَيبَ معه بالله تعالى ورسلِهِ وكُتُبِه، وما جاءت به الرسلُ، على ما تقرَّرَ في حديثِ جبريلَ، كيفما حصَلَ ذلك الإيمان، وبأيِّ (١) طريقٍ إليه تُوُصِّلَ، وأما النطقُ باللسان: فمُظهِرٌ لما استَقَرَّ في القلب من الإيمان، وسَبَبٌ ظاهرٌ تترتَّبُ عليه أحكامُ الإسلام. وتفصيلُ ما أجملناه يستدعي تفصيلاً وتطويلاً يُخرِجُ عن المقصود، ولعلَّنَا بِعَونِ الله تعالى نكتُبُ في هذه المسألة جزءًا؛ فإنها حَرِيَّةٌ بذلك.

وقد احتَجَّ بهذا الحديث مَن قال بأنَّ الكفَّارَ ليسوا مخاطَبِينَ بفروع الشريعة؛ وهو أحدُ القولَينِ لأصحابنا وغيرِهم؛ من حيثُ إنّهُ - عليه الصلاة والسلام - إنما خاطبهم بالتوحيد أوَّلاً، فلمَّا التزموا ذلك خاطبهم بالفروع التي هي الصلاةُ والزكاة، وهذا لا حجة فيه؛ لوجهين:

أحدهما: أنّه لم يَنُصَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إنما قدّم الخطابَ بالتوحيد لِمَا ذكروه، بل يَحتَمِلُ ذلك، ويحتملُ أن يقال: إنَّه إنَّما قدَّمه لكونِ الإيمانِ شَرطًا مصحِّحًا للأعمالِ الفروعيَّة، لا للخطابِ بالفروع؛ إذ لا يَصِحُّ فِعلُهَا شرعًا إلا بتقدُّم وجوده، ويصحُّ الخطابُ بالإيمانِ وبالفروعِ معًا في وقتٍ واحد، وإن كانت في الوجودِ متعاقبةً؛ كما بيَّناه في الأصول؛ وهذا الاحتمالُ أظهَرُ مما تمسَّكوا به، ولو لم يكن أظهَرَ، فهو مساو له؛ فيكونُ ذلك الخطابُ مجمَلاً بالنسبةِ إلى هذا الحكم.

وثانيهما: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما رتَّب هذه القواعدَ؛ ليبيِّن الأوكَدَ فالأوكد، والأهَمَّ فالأهم؛ كما بيَّنَّاه في حديثِ ابن عمر الذي قبل هذا، والله تعالى أعلم.


(١) في (ع): ومن أي.

<<  <  ج: ص:  >  >>