فإنه لا يتمشى على أصل الحنفية المتقدم الذكر، فإنهم قالوا: لا تجب الكفارة إلا بالحنث في قوله: هو يهودي، أو نصراني، إلى غير ذلك مما ذكروه. وهذا حكم معلَّق على نطق بقول ليس فيه يمين، ولا التزام، وإنما هو استدعاء للمقامرة. فأين الأرض من السماء؟ والعرش من الثَّرى؟
(٦) ومن باب: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر
(قوله: إن أبا موسى دعا بمائدته وعليها لحم دجاج) يدل على أن أكل الطيِّبات على الموائد جائز معمولٌ به عندهم. وأن ذلك لا يناقض الزهد، ولا يُنقصه خلافًا لبعض متقشِّفة المتزهدة.
وقول الرَّجل:(رأيته يأكل شيئًا فقذرته) يعني به: أنه رأى الدَّجاج يأكل نجاسة فاستقذره، فحلف ألا يأكله لذلك. وظاهر قول هذا الرجل؛ أنه كان يكره أكل ما يأكل النجاسات من الحيوانات. وقد اختلف في ذلك. فكرهه قوم، فكان ابن عمر لا يأكل الدَّجاجة حتَّى يقصرها أيامًا. ومثل ذلك روي عن ابن القاسم في الجدي الذي ارتضع على خنزيرة: إنَّه لا يذبح حتَّى يذهب ما في بطنه. وكره الكوفيون أكل لحوم الجلَاّلة، والشافعي: إن كان أكلُها أو غالبُه النجاسة، فإن كان غالبه الطَّهارة لم يكرهه. وأجاز مالك أكل لحوم الإبل الجلَاّلة، وأكل ما يأكل الجيف من الطَّير وغيره لبعد الاستحالة.