للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةٍ: النَّارُ، لَو كَشَفَه لأَحرَقَت سُبُحَاتُ وَجهِهِ مَا انتَهَى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ.

رواه أحمد (٤/ ٣٩٥ و ٤٠٥)، ومسلم (١٧٩)، وابن ماجه (١٩٦).

* * *

ــ

واختراع (١)، أو إضافة تشريف، والمحجوب به العباد. وهو النور الذي بهر بصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: نورٌ أَنَّى أراه، وهو المعني بقوله في سدرة المنتهى: فغشيها ألوان لا أدري ما هي. وأما البارئ تعالى، فيستحيل عليه أن يحيط به حجاب؛ إذ يلزم منه أن يكون مقدرًا محصورًا، فيحتاج إلى مُقدّر ومخصّص، ويلزم منه حدوثه. وفي التحقيق أن الحجاب في حقوقنا الموانع التي تقوم بنا عند وجود هذه الحوائل؛ كالجسم الكثيف والشديد النور.

و(قوله: لو كشفها) الضمير عائد على النار أو الأنوار، والحجاب؛ بمعنى: الحجب، والسبحات جمع سُبحة، وأصلها جمال الوجه وبهاؤه، ثم يُعبّر عنها عن العظمة والجلال، وفي العين والصِحاح: سبُحات وجه ربّنا جلاله. والهاء في بصره عائدة على الله تعالى على أحسن الأقوال، وهو الذي عاد عليه ضمير وجهه، وكذلك ضمير خلقه.

ومعنى الكلام: أن الله تعالى لو كشف عن خلقه ما منعهم به من رؤيته في الدنيا لما أطاقوا رؤيته، ولهلكوا من عند آخرهم، كما قال الله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا. ويفيد أن تركيب هذا الخلق وضعفهم في هذه الدار لا يحتمل رؤية الله فيها، فإذا أنشأهم الله للبقاء وقوّاهم، حملوا ذلك.

وقد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأبعدوا، لا سيما من قال: إن الهاء في وجهه تعود على المخلوق، فإنه يحيل مساق الكلام ويُخلّ بالمعنى. والأشبه ما ذكرناه، أو التوقف كما قال السلف: اقرؤوها كما جاءت)، يعنون المشكلات، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.


(١) في (ل) و (ط): احترام.

<<  <  ج: ص:  >  >>