للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقلِّد مجتهدًا عند تمكُّنِهِ من الاجتهادِ؛ كما بيَّنَّاه في أصول الفقه، ثُمَّ إنَّ أبا بكر قاتَلَ جميعَ المرتدِّين الثلاثة الأصناف (١)، وسَبَى ذراريهم؛ قال القاضي: وحكَمَ فيهم بحكم الناقضين للعهد، فلمَّا تُوُفِّيَ أبو بكرٍ ووَلِيَ عمر رَدَّ عليهم سَبيَهُم، وحكَمَ عليهم (٢) بحكم المرتدِّين، وكان أبو بكر يرى سَبيَ أولاد المرتدِّين؛ وبذلك قال أصبَغُ بن الفَرَجِ (٣) من أصحابنا، وكان عمر يرى أنهم لا يُسبَونَ، ولذلك ردَّ سبيهم؛ وبهذا قال جمهورُ العلماءِ وأئمَّةُ الفتوى.

ويستفاد مِن فعل عمر وحُكمِهِ: أنَّ الإمام المجتِهدَ العدلَ إذا أمَرَ بأمر، أو حكم بحكم، وجبَت موافقتُهُ على الجميع، وإن كان فيهم مَن يرى خلافَ رأيه، بل يجبُ عليه تركُ العمل والفُتيَا بما عنده، وإن اعتقَدَ صِحَّته، فإن عاد الأمرُ إليه، عَمِلَ على رأيه الذي كان يعتقده صوابًا.

ويحصَّل من قضيَّة أبي بكر وعمر: أنَّ سَبيَ أولادِ المرتدِّين لم يكن مُجمَعًا عليه، وأنَّ عمر إنَّما وافق أبا بكرٍ ظاهرًا وباطنًا على قتال الجميعِ لا غيرُ، وأمَّا سبيُ الذراري، فلم يوافقهُ عليه عمرُ باطنًا، لكنَّه تركَ العملَ بما ظهَرَ له والفُتيَا به؛ لِمَا يجبُ عليه مِن طاعة الإمام وموافقتِهِ، فلمَّا وَلِيَ عمل بما كان عنده؛ هذا هو الظاهرُ من حال عمر. ولا يجوزُ أن يقال: إنَّهُ كان قد ظهَرَ له مِن جواز السَّبيِ ما ظهر لأبي بكر، ثمّ تغيَّر اجتهاده؛ لأنّ ذلك يلزمُ منه خرقُ إجماعِ الصحابة السابق؛ فإنَّهم كانوا قد أجمعوا مع أبي بكر على السَّبيِ، وَعَمِلُوا بذلك مِن غير مخالفة ظهرَت من أحد منهم ولا إنكارٍ ظاهرٍ؛ غير أنَّهم منقسمون في ذلك إلى


(١) قوله: الثلاثة الأصناف ساقط من (ع)، ومستدرك من (م) و (ط) و (ل).
(٢) في (ع): فيهم.
(٣) هو فقيه مالكي مصري ثقة، له تصانيف. توفي سنة (٢٢٥ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>