منها: أن كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم؛ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس فيها تلحين ولا تطريب، مع كثرة المتعمِّقين والمتنطِّعين في مخارج الحروف، وفي المدِّ، والإدغام، والإظهار، وغير ذلك من كيفية القراءات، وهذا قاطع.
ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: لست من ددٍ ولا الدَّدُ مني (١)، والدَّدُ: هو اللعب، واللهو، ومعنى ذلك: أن اللعب لا يليق بأحواله، فكيف بقرآنه وقراءته؟ !
ومنها: أنّ التطريب والترجيع يؤدي إلى الزيادة في القرآن، والنقص منه، وهما ممنوعان، فالمؤدِّي إليهما ممنوع؛ وبيانه: أن التطريب، والتلحين يحتاج من ضروراته أن يمد في غير موضع المدّ، وينقص؛ مراعاة للوزن؛ كما هو معلوم عند أهله.
ومنها: أنه يؤدي إلى تشبيه القرآن بالشعر، وقد نزهه الله عن الشعر وأحواله، حيث قال تعالى:{إِنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرٍ}
وقد تأوّل من منع من تلحين القرآن، قوله - صلى الله عليه وسلم -: يتغنى به. وقوله: ليس منا من لم يتغن بالقرآن؛ على تأويلات:
أحدها: أن معناه أنه يستغني به، يقال: تغنّيت، وتغانيت، بمعنى: استغنيت، قاله سفيان.
وثانيها: أن معناه يجعله مكان الغناء، وبدلا منه، فيستديم تلاوته، ويستطيبه كما يستطيب الغناء.