الظاهر، وحكي عن بعض الصحابة، وعن الحسن، وحكاه الخطابي عن مالك، ومعروف مذهبه وصحيحه: أنه سنة، وهو مذهب عامة أئمة الفتوى، وحملوا تلك الأحاديث على أنه واجب وجوب السنن المؤكدة، ودلّهم على ذلك أمور:
أحدها: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت؛ غفر له، فذكر فيه الوضوء، واقتصر عليه دون الغسل، ورتَّب الصِّحة والثواب عليه. فدلَّ على أن الوضوء كافٍ من غير غُسل، وأن الغسل ليس بواجب.
وثانيها: قوله - صلى الله عليه وسلم - لهم حين وَجد منهم الريح الكريهة: لو اغتسلتم ليومكم هذا؟ ! . وهذا عرضٌ وتحضيضٌ، وإرشادٌ للنظافة المستحسنة، ولا يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب.
وثالثها: تقرير عمر والصحابة لعثمان - رضي الله عنهم - على صلاة الجمعة بالوضوء من غير غسل، ولم يأمروه بالخروج، ولم ينكروا عليه، فصار ذلك كالإجماع منهم على أن الغسل ليس بشرط في صحة الجمعة، ولا واجب.
ورابعها: ما يقطع مادة النزاع، ويحسم كل إشكال: حديث الحسن، عن سَمُرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل (١)، وهذا نصٌ في موضع الخلاف؛ غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه، وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة، فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدلّ دليلٌ على غير ذلك. والله تعالى أعلم.
وخامسها: أنه - عليه الصلاة والسلام - قد قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وسواك، ويمسُّ من الطيب ما قدر عليه. وظاهر هذا وجوب
(١) رواه أبو داود (٣٥٤)، والترمذي (٤٩٧)، والنسائي (٣/ ٩٤).