يعرفُهُ؛ فظَنَّ أنَّ هذا الوعيدَ إنما يتناوُل مَن قصَدَ الإضلَال بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأَمَّا مَن قصدَ الترغيب في الأعمال الصالحة، وتقويةَ مذاهبِ أهل السنة، فلا يتناوُلُهُ؛ فوضَعَ الأحاديث لذلك.
وهذه جهالةٌ؛ لأن هذه الزيادةَ تُروَى عن الأعمش، ولا تصحُّ عنه، وليست معروفةً عند نَقَلِةِ ذلك (١) الحديثِ مع شهرته، وقد رواها أبو عبد الله الحاكمُ - المعروفُ بابن البَيِّعِ - من طُرُقٍ كثيرة، وقال: إنَّها واهيةٌ لا يصحُّ منها شيء.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولو صحَّت، لما كان لها دليلُ خطابٍ، وإنما كانت تكونُ تأكيدًا؛ لقوله تعالى: فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيرِ عِلمٍ.
وافتراءُ الكذبِ على الله محرَّمٌ مطلقًا، قصَدَ به الإضلالَ أو لم يقصد؛ قاله الطحاويُّ. ولأنَّ وَضعَ الخبر الذي يُقصَدُ به الترغيبُ كذِبٌ على الله تعالى في وضعِ الأحكام؛ فإنَّ المندوبَ قِسمٌ من أقسام الأحكام الشرعية، وإخبارٌ عن أنَّ الله تعالى وَعَدَ على ذلك العملِ بذلك الثواب، فكلُّ ذلك كذِبٌ وافتراءٌ على الله تعالى؛ فيتناوله عمومُ قوله تعالى: فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.
وقد استجازَ بعضُ فقهاءِ العراق نسبةَ الحكمِ الذي دَلَّ عليه القياسُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نسبةً قوليَّة، وحكايةً نقليَّة، فيقول في ذلك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا؛ ولذلك ترى كتبهم مشحونةً بأحاديثَ مرفوعة، تشهدُ متونُها بأنَّهَا موضوعَة؛ لأنَّهَا تُشبِهُ فتاوى الفقهاء، ولا تليقُ بجزالة سيِّد الأنبياء، مع أَنَّهُم لا يقيمون لها صحيحَ سَنَد، ولا يُسنِدونها من أئمَّةِ النقل إلى كبير أَحَد، فهؤلاء قد خالفوا ذلك النهي الأكيد، وشَمِلَهُم ذلك الذَّمُّ والوعيد.
ولا شَكَّ في أنَّ تكذيبَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كُفر، وأمَّا الكَذِبُ عليه: فإن كان ذلك الكاذبُ مستحلًّا لذلك، فهو كافر، وإن كان غيرَ مستحلٍّ، فهو مرتكبُ كبيرةٍ، وهل يكفُرُ أم لا؟ اختُلِف فيه على ما مَرَّ.