للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخصال الدُّنيوية والمذمومة، والصراخ الذي يُخرجه الجزع المفضي إلى السّخط والعبث؛ من ضرب الخدود، وشق الجيوب، فكل ذلك محرَّم، من أعمال الجاهلية، ولا يختلف فيه. فأمّا بكاء وصراخ لا يكون معه شيء من ذلك فهو جائز قبل الموت، مكروه بعده: أمّا جوازه فبدليل حديث جابر بن عقبة الذي خَرَّجه مالك، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب عليه، فصاح به، فلم يُجبه، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: غُلِبنا عليك أبا الربيع. فصاح النسوة وبكين، فجعل جابر يُسكِتُهنّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية (١). ووجه الاستدلال: أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرّهن على البكاء والصياح قبل الموت، وأمر بتركهنّ على ذلك. وإنما قلنا: إنه مكروه بعد الموت ليس بمحرَّم؛ لما في حديث جعفر من بكائهن بعد الموت، وإعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ونهيهن عنه، فلما لم ينكَفِفن، قال للمبلّغ: احثُ في أفواههنّ التراب (٢). ولم يبالغ في الإنكار عليهن، ولا زجرهن، ولا ذمّهن، ولو كان ذلك محرَّمًا لفعل كل ذلك. والله أعلم.

وبهذا الذي قررناه يرتفع الاختلاف بين ظواهر الأحاديث التي في هذا الباب، ويصح جمعها، فتمسّك به، فإنه حسن جدًّا، وهو الصواب - إن شاء الله تعالى -.

* * *


(١) رواه مالك في الموطأ (١/ ٢٣٣).
(٢) رواه مسلم برقم (٩٣٥/ ٣٠) وانظره في التلخيص (٨٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>