للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٧٩٥]- وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى امرَأَةٍ تَبكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللهَ وَاصبِرِي، فَقَالَت: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي؟ فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَهَا مِثلُ المَوتِ،

ــ

وقوله: أتى على امرأة تبكي على صبيٍّ لها: هذا البكاء كان معه ما يُنكَر؛ من رفع صوت أو غيره؛ كالجزع، وأمّا نفس البكاء فعلى ما تقدَّم من الإباحة.

وقوله: فأخذها مثل الموت، خوفًا من سوء أدبها في ردها عليه، وحياءً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وظاهرُ حال هذه المرأة: أنها لم تعرفه لشدة حزنها وما كانت فيه.

وقوله: إنما الصبر عند أول صدمة؛ يعني: إنما الصبر الشاقُّ الصعب على النفس؛ الذي يعظم الثواب عليه، إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدلّ على قوَّة النفس وتثبُّتها، وتمكنها في مقام الصبر، وأما إذا بردت حرارةُ المصيبة فكل أحدٍ يصبر إذ ذاك؛ ولذلك قيل: يجب على العاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بدّ للأحمق منه بعد ثلاث؛ ولهذا المعنى أبيح للمصابة أن تحدّ على غير زوجها ثلاثًا لا غير؛ إذ بعدها تبرد المصيبة غالبًا، وأما دوام الإحداد إلى أربعة أشهر وعشرة للمتوفى عنها زوجها، فلمعنى يأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى -.

والصدم: أصله الضرب في الشيء الصلب، ثم استعير لمن فجأته المصيبة. ومعنى هذا القول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صادمته هذه المرأة بقولها: إليك عني، كما رواه البخاري، وبقولها: ما تبالي بمصيبتي؟ - وهو سوء أدب تأذَّى به -، قابل ذلك بالصبر، وحلُمَ عنها، ولم يؤاخذها به مع تمكنه من ذلك، فحصل من الصبر على أَشَقِّه على النفوس، وأعظمه في الثواب. هذا ما سمعناه في هذا، ويحتمل عندي أن يَنجَرَّ مع هذه للمرأة منه معنى؛ وذلك أنها لما شاهدت قبر ابنها تجدَّدت عليها مصيبتها، فكان ابتداء تجدُّدها صدمة أُولى صُدِمَتها، فلم تصبر حتى غشيها من الجزع ما صدّها عن معرفة من كلَّمها، ثم لما أفاقت من ذلك جاءت معتذرة مُظهرة للتجلد، فقال لها ذلك، منبهًا على أنها قد فاتها محل الصبر

<<  <  ج: ص:  >  >>