للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابنُ عَبَّاسٍ: قَد كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعضَ ذَلِكَ ثُمَّ حَدَّثَ فَقَالَ: صَدَرتُ مَعَ عُمَرَ مِن مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكبٍ تَحتَ ظِلِّ سَمُرَة، فَقَالَ: اذهَب فَانظُر مَن هَؤُلاءِ الرَّكبُ؟ فَنَظَرتُ فَإِذَا صُهَيبٌ. قَالَ فَأَخبَرتُهُ، فَقَالَ: ادعُهُ لِي. قَالَ: فَرَجَعتُ إِلَى صُهَيبٍ، فَقُلتُ: ارتَحِل فَالحَق أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَلَمَّا أَن أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيبٌ يَبكِي يَقُولُ: وَا أَخَاه! وَا صَاحِبَاه! فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيبُ! أَتَبكِي عَلَيَّ؟ وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعضِ بُكَاءِ أَهلِهِ عَلَيهِ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَت: يَرحَمُ اللهُ عُمَرَ، لا وَاللهِ! مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ المُؤمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ، وَلَكِن قَالَ: إِنَّ اللهَ يَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهلِهِ عَلَيهِ، قَالَ: وَقَالَت عَائِشَةُ: حَسبُكُمُ القُرآنُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلَى حِملِهَا لا يُحمَل مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلَى اللَّهِ المَصِيرُ} قَالَ: وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ عِندَ ذَلِكَ: وَاللهُ أَضحَكَ وَأَبكَى.

ــ

فأنكرته عائشة - رضي الله عنها -، وصرحت بتخطئة الناقل أو نسيانه، وحملها على ذلك أنها لم تسمعه كذلك، وأنه معارض بقوله - تعالى -: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى} وهذا فيه نظر. أما إنكارها، ونسبة الخطأ لراويه فبعيد، وغير بيِّن ولا واضح، وبيانه من وجهين:

أحدهما: أن الرواة لهذا المعنى كثير: عمر، وابن عمر، والمغيرة بن شعبة، وقيلة بنت مخرمة، وهم جازمون بالرواية، فلا وجه لتخطئتهم، وإذا أُقدِم على ردّ خبر جماعة مثل هؤلاء مع إمكان حمله على محمل الصحيح، فلأن يُردّ خبر راوٍ واحد أولى، فردُّ خبرها أولى، على أن الصحيح: ألا يُردّ واحدٌ من تلك الأخبار، وينظر في معانيها كما نبيِّنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>