للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٧٩٧]- وَعَن عُروَةَ قَالَ: ذُكِرَ عِندَ عَائِشَةَ أَنَّ ابنَ عُمَرَ يَرفَعُ إِلَى

ــ

الأموال، وإخراب البلاد، وغير ذلك، فأهلُه يمدحونه بها، ويعدِّدونها عليه، وهو يُعذَّب لسببها، وعلى هذا تُحمل رواية من رواه: ببعض بكاء أهله؛ إذ ليس (١) كل ما يُعدِّدونه من خصاله يكون مذمومًا، فقد يكون من خصاله: كرم، وإعتاقُ رقابٍ، وكشف كرب. وقد دلّ على صحّة هذا التأويل: حديث عبد الله بن رواحة؛ حيث أُغمِي عليه، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجَبَلاه! واكذا! واكذا، تُعدِّد عليه، فأفاق وقال لها: ما قلتِ شيئًا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ ! فلما مات لم تبك عليه (٢). خرَّجه البخاري، وذهب داود وطائفة إلى اعتقاد ظاهر الحديث، وأنه إنما يعذب بنوحهم؛ لأنه أهمل نهيهم عنه قبل موته وتأديبهم بذلك، فيعذَّب بتفريطه في ذلك، ويترك ما أمر الله - تعالى - به من قوله - تعالى -: {قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا} وقيل: معناه: أنه يعذّب بسماع بكاء أهله؛ لرقَّته لهم (٣)، وشفقته عليهم؛ لما يصيبهم من أجله. وقد دلّ على صحة هذا المعنى: حديث قيلة بنت مخرمة العنزية، وبكت على ابنها مات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها وأنكر عليها: والذي نفس محمد بيده! إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبُه، يا عباد الله! لا تعذبوا إخوانكم. ذكره أبو بكر بن أبي شيبة (٤)، وهو حديث طويل مشهور، وهذا التأويل حسن جدًّا، ولعله أولى ما قيل في ذلك. والله أعلم. وسكوت ابن عمر عن عائشة حين قالت ما قالت؛ ليس لشكّه فيما رواه، لا هو ولا أبوه عمر - رضي الله عنهما -؛ فإنهما قد صرّحا برفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان - والله تعالى أعلم - لأنه ظهر له أن الحديث قابل للتأويل، ولم يتعيَّن له محمل، أو


(١) في (ع): إذ كل ما يعدِّدونه من خصاله لا يكون مذمومًا.
(٢) رواه البخاري (٤٢٦٧).
(٣) ساقط من (ع).
(٤) ذكره ابن حجر في الإصابة (٨/ ١٧١ - ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>