للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القَدَر: مصدرُ قَدَرتُ الشيءَ - خفيفة الدال، أقدِرُهُ، وأقدُرُه قَدرًا وقُدَرًا: إذا أحَطتَ بمقداره، ويقال فيه: قدَّرتُ أُقَدِّرُ تقديرًا، مشدَّدَ الدالِ للتضعيف؛ فإذا قلنا: إنَّ الله تعالى قدَّرَ الأشياءَ، فمعناه: أنَّهُ تعالى علِمَ مقاديرها وأحوالَهَا وأزمانَهَا (١) قبل إيجادها، ثُمَّ أوجَدَ منها ما سبَقَ في علمه أنَّهُ يُوجِدُهُ على نحو ما سبَقَ في علمه؛ فلا مُحدَثَ في العالمِ العُلويِّ والسُّفليِّ إلَاّ وهو صادرٌ عن علمِه تعالى وقدرتِه وإرادتِه.

هذا هو المعلومُ من دِينِ السلف الماضين، والذي دلَّت عليه البراهين. وقد حكى أربابُ المقالاتِ عن طوائفَ من القدريَّةِ إنكارَ كونِ البارئ تعالى عالمًا بشيءٍ من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنَّمَا يَعلَمُهَا بعد كونها، قالوا: لأنَّه لا فائدةَ لِعِلمِهِ بها قبل إيجادها، وهو عَبَثٌ، وهو على الله محال.

قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: وقد رُويَ عن مالكٍ أنه فسَّرَ مذهبَ القَدَريَّة بنحو ذلك، وهذا المذهَبُ هو الذي وقَعَ لأهل البصرة، وهو الذي أنكَرَهُ ابنُ عمر.

ولا شكَّ في تكفير من يذهبُ إلى ذلك، فإنَّه جَحدُ معلومٍ من الشرع ضرورةً؛ ولذلك تبرَّأ منهم ابنُ عمر، وأفتى بأنَّهم لا تُقبَلُ منهم أعمالُهُم ولا نفقاتُهُم، وأنّهم كمَا قال الله تعالى فيهم: {وَمَا مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقَاتُهُم إِلا أَنَّهُم كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} وهذا المذهب هو مذهب طائفةٍ منهم تسمَّى السكبيّة (٢)، وقد تُرِكَ اليومَ، فلا يُعرف مَن يُنسب إليه من المتأخرين مِن أهل البدع المشهورين.

والقدرية اليومَ: مُطبِقون على أنَّ الله تعالى عالمٌ بأفعالِ العباد قبلَ وقوعها؛


(١) من هنا وحتى ص (٧٨) انقطاع في النسخة العثمانية، واستدرك من النسخة المغربية.
(٢) كذا في (ع)، وفي (ط): السكيتية، ولم نجد في كتاب "الملل والنِّحل" فرقةً لهم بهذا الاسم.

<<  <  ج: ص:  >  >>