رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا يَنقِمُ ابنُ جَمِيلٍ إِلا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغنَاهُ اللهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُم تَظلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احتَبَسَ أَدرَاعَهُ وَأَعتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ
ــ
وأما من قال: إنها صدقة الفرض، فيشكل عليه امتناع هؤلاء الكبراء والفضلاء من الصحابة عن أدائها، واحتسابه - عليه الصلاة والسلام - لخالد فيها بما كان حَبَس من آلة الجهاد، مع أنه قد كان يعدها على وجه الحُبُس، على ما هو ظاهر الحديث.
وقوله: (إنكم تظلمون خالدًا)، وقوله:(هي عليّ ومثلها معها)، وقد انفصل عن استبعاد منعهم بأنهم لم يمنعوها عنادًا، بل توقفًا من ابن جميل إلى أن يرى هل يُسامح بها.
وقال المهلب: كان ابن جميل منافقًا أولاً، فمنع الزكاة، فأنزل الله تعالى:{وَمَا نَقَمُوا إِلا أَن أَغنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضلِهِ} فقال: استثناني الله، فتاب وصُلحت حاله، وتأوُلاً من خالد بأنه يحتسب له بها، ومن العباس بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بحملها عنه، أو بأنه غريم، أو بغير ذلك من أنواع التأويلات المسوغة، ولم يكن فيهم أبعد تأويلاً من ابن جميل؛ ولذلك عتب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما قوله:(إنكم تظلمون خالدًا)؛ فهو خطاب منه للعمال على الصدقة، حيث لم يحتسبوا له بما أنفق في الجهاد من الخيل والعدة. وكأن خالدًا - والله أعلم - رأى أن الحاجة قد تعينت للجهاد في سبيل الله، وقد جعل الله للجهاد حظًّا من الزكاة، فرأى أن يصرفها فيه، فأخرج زكاته، واشترى بها ما يصلح للجهاد، كما يفعله الإمام. ولما تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، قال:(إنكم تظلمون خالدًا) فإنه قد صرفها مصرفها، وأنتم تطالبونه بها. وعند ذلك يكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك إمضاءً لما فعل خالد، ويكون معنى احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله: رفع يده عنها، وأبانها عن ملكه، وخلّى بين الناس وبينها في سبيل الله، لا أنه حبسها وقفًا (١) على