للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَعطَانِي مَرَّةً مَالاً فَقُلتُ: أَعطِهِ أَفقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خُذهُ وَمَا جَاءَكَ مِن هَذَا المَالِ وَأَنتَ غَيرُ مُشرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذهُ. وَمَا لا، فَلا تُتبِعهُ نَفسَكَ).

رواه البخاري (٧١٦٤)، ومسلم (١٠٤٥)، وأبو داود (١٦٧١)، والنسائي (٥/ ١٠٥).

ــ

وقوله: (وأنت غير مشرف ولا سائل)؛ إشراف النفس: تطلعها، وتشوُّفها، وشرحها لأخذ المال.

ولا شك أن هذه الأمور إذا كانت هي الباعثة على الأخذ للمال؛ كان ذلك من أدلِّ دليل على شدّة الرغبة في الدنيا والحب لها، وعدم الزهد فيها، والركون إليها، والتوسّع فيها، وكل ذلك أحوال مذمومة، فنهاه عن الأخذ على هذه الحالة، اجتنابًا للمذموم، وقمعًا لدواعي النفس، ومخالفة لها في هواها، فإن من لم يكن كذلك جاز له الأخذ للأمن من تلك العلل المذمومة.

قال الطحاوي: وليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم.

وقال الطبريّ: اختلف الناس فيما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به عمر رضي الله عنه من ذلك، بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد؛ فقيل: هو ندبٌ إلى عطية السلطان وغيره. وقيل: بل ذلك إلى عطية غير السلطان، وأما عطية السلطان فقد حرمها قوم وكرهها آخرون. فأما من حمل الحديث على عطية السلطان، وأنها مندوبٌ إليها، فذلك إنما يصحّ أن يقال: إذا كانت أموالهم كما كانت أموال سلاطين السلف؛ مأخوذة من وجوهها، غير ممنوعة من مستحقيها. فأما اليوم: فالأخذ إما حرام وإما مكروه، والله تعالى أعلم.

وقوله: (فلا تتبعه نفسك)؛ أي: لا تُعَلِّقها، ولا تُطمِعها في ذلك، فإذا فعلت ذلك بها سكنت ويئست. وهذا النهي على الكراهة يرشد إلى المصلحة التي

<<  <  ج: ص:  >  >>