للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد تنافس علماءُ الأصول في هذه الأسماء الشرعيَّة تنافسًا لا طائلَ له، إذا حُقِّقَ الأمرُ فيه؛ وذلك أنَّهم مُتَّفِقُونَ على أنَّها لا يستفادُ منها في الشرع زيادةٌ على أصل الوضع، وهل ذلك المعنى يُصَيِّرُ تلك الأسماءَ موضوعةً كالوضع الابتدائيِّ مِن قِبَلِ الشرع، أو هي مبقاةٌ على الوضعِ اللغويِّ، والشرعُ إنما تصرَّفَ في شروطها وأحكامها، هنا تنافسهُم في الأمر قريب.

والحاصل: أنَّ الشرعَ تصرَّف في حال هذه الأسماء التي في أصلِ وضعها، فخصّص عامًّا، كالحال في الإسلام والإيمان؛ فإنّهما بحكم الوضع يَعُمَّانِ كلَّ انقياد، وكلَّ تصديق، لكن قَصَرَها الشرعُ على تصديقٍ مخصوص وانقيادٍ مخصوص؛ وكذلك فعلَتِ العربُ في لغتها في الأسماء العُرفيَّة، كالدابَّةِ: فإنَّها في الأصل لكلِّ ما يَدِبُّ، ثمَّ عُرفُهُم خصَّصها ببعض ما يَدِبُّ؛ فالأسماءُ الشرعيَّةُ كالأسماء العرفيَّة في هذا التصرُّف، والله أعلم.

وقد استفدنا من هذا البحث: أنّ الإيمانَ والإسلامَ حقيقتان متباينتان لغةً وشرعًا؛ كما دلَّ عليه حديثُ جبريلَ هذا وغيرُهُ؛ وهذا هو الأصلُ في الأسماء المختلفة - أعني: أن يَدُلَّ كُلُّ واحد منها على خلافِ ما يَدُلُّ عليه الآخر - غير أنَّهُ قد توسَّعَ الشرعُ فيهما: فأطلَقَ اسمَ الإيمانِ على حقيقة الإسلام؛ كما في حديث وَفدِ عبد القَيسِ الآتي بعد هذا (١)، وكقوله: الإيمانُ بِضعٌ وسبعون بابًا، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قولُ: لا إله إلا الله (٢). وقد أطلَقَ الإسلامَ مريدًا به مسمَّى الإسلامِ والإيمان، بمعنى التداخُلِ، كقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلَامُ.


(١) سيأتي في التلخيص برقم (١٤).
(٢) روى البخاري (٧) الجملة الأولى منه. ورواه مسلم كلّه (٣٥)، وأبو داود (٤٦٧٦)، والترمذي (٢٦١٤)، والنسائي (٨/ ١١٠)، وابن ماجه (٥٧)، كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>