للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القِسمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجهُ اللهِ. قَالَ: فَقُلتُ: وَاللهِ لأخبرن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَأَتَيتُهُ فَأَخبَرتُهُ بِمَا قَالَ،

ــ

وقول القائل: في قسمة النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، أو: ما عدل فيها؛ قول جاهل بحال النبي - صلى الله عليه وسلم -، غليظ الطبع، حريص، شره، منافق. وكان حقه أن يُقتل؛ لأنه آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} والعذاب في الدنيا هو: القتل، لكن لم يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - للمعنى الذي قاله، وهو من حديث جابر: (لا يتحدّث الناس: أن محمدًا يقتل أصحابه) (١)، ولهذه العلة امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتل المنافقين، مع علمه بأعيان كثير منهم، وبنفاقهم. ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى؛ لأن حديث جابر وغيره نصٌّ في تلك العلة، وقد أُمِنت تلك العلة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا نفاق بعده، وإنما هو الزندقة، كذلك قال مالك - رحمه الله -، فمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو سبّه قتل ولا يستتاب، وهذا هو الحق والصواب.

واختلف في هذا العطاء الذي النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المؤلفة قلوبهم.

هل كان من الخمس؟ أو كان من صلب الغنيمة؟ والإجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس، ومنه أكثر عطاياه - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم) (٢).

والظاهر من مراجعة الأنصار، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسوله لله إلى رحالكم)؛ أنه كان من صلب الغنيمة، وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه بذلك، ولطيب قلوبهم به، أو يكون هذا مخصوصًا بتلك الواقعة، وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب.

والأصل: التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت، والله تعالى أعلم.


(١) رواه الترمذي (٣٣١٥) وانظر: فتح الباري (١٠/ ٢٣١).
(٢) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٤٥٧ و ٤٥٨) مرسلًا، وقد وصله النسائي (٧/ ١٣١ - ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>