إلى أنه لا يجزئه، ولا ينعقد، وعليه القضاء أبدًا. وحكي عن ابن عمر: أنه قال: من صام في السفر قضى في الحضر. وحكي أنه مذهب عمر. ومتمسك هؤلاء: ظاهر قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ أي: فعليه عدة، أو فالواجب عدة. وتأوَّله الجمهور: بأن هناك محذوفًا، تقديره: فأفطر. واستدلوا على صحته بما يأتي بعد هذا من الأحاديث الآتية في هذا الباب. وكره أحمد بن حنبل الصوم في السَّفر، ولم يأمر بالقضاء.
واختلف الجمهور في الأفضل: هل هو الصوم أو الفطر؟ أو لا فضيلة لأحدهما على الآخر. وممن ذهب إلى الأول أنس بن مالك، ومالك في المشهور عنه، والشافعي، على أن الفطر من باب الرُّخص، وأن فعل الصوم مبادرة إلى تخليص الذمم، ومسابقة إلى الخيرات، وقد أمر الله بذلك في قوله:{فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ} وإلى الثاني ذهب ابن عباس، وابن عمر، وغيرهما. وعلى الثالث جل أهل المذهب، وهو التخيير، وعليه تدل الأحاديث المذكورة في هذا الباب.
ثم هل هذا في كل سفر: طاعة كان أو معصية، طويلاً كان أو قصيرًا؟ وقد تقدَّم ذكر الخلاف فيه في باب: قصر الصلاة في السفر.
وقوله:(خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في رمضان؛ فصام، فلما بلغ الكديد أفطر)؛ هذا حجة على من يقول: إن الصوم لا ينعقد في السَّفر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صام من خروجه من المدينة إلى أن بلغ الكديد، وصام الناس معه. وهو حجة لمن يقول: إن من بَيَّت الصوم في السفر فله أن يفطر، وإن لم يكن له عذر، وإليه ذهب مطرف، وهو أحد قولي الشافعي. وعليه جماعة من أصحاب الحديث.
والجمهور على منع ذلك إلا لعذر، متمسكين بأنه قد شرع في أَخذِ ما خير فيه؛ فيلزمه المُضي فيه؛ إذ قد عَيَّنه بفعله، وحملوا فِطر النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجود العذر المسوِّغ من حصول الضعف بالصوم عن مقاومة العدو، وعن القيام بوظائف