ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: رُدُّوهُ عَلَيَّ، فَالتُمِسَ فَلَم يَجِدُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: هَذَا جِبرِيلُ، أَرَادَ أَن تَعَلَّمُوا إِذ لَم تَسأَلُوا.
رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩) و (١٠)، وأبو داود (٤٦٩٨)، والنسائي (٨/ ١٠١).
* * *
ــ
لَا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ؛ فلا طريقَ لِعِلمِ شيءٍ من ذلك إلا أن يُعلِمَ اللهُ تعالى بذلك - أو بشيءٍ منه - أحداً ممن شاءه؛ كما قال تعالى:{عَالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا} إِلَّا مَنِ ارتَضَى مِن رَسُولٍ.
فمَنِ ادعَى عِلمَ شيء من هذه الأمور، كان في دعواه كاذبًا، إلا أن يُسنِدَ ذلك إلى رسولٍ بطريقٍ تُفيدُ العِلمَ القطعيَّ؛ ووجودُ ذلك متعذِّر بل ممتنعٌ.
وأما ظنُّ الغيب فلم يتعرَّض شيءٌ من الشرع لنفيِهِ ولا لإثباته؛ فقد يجوزُ أن يَظُنَّ المنجِّمُ - أو صاحبُ خَطِّ الرَّملِ، أو نحو هذا - شيئًا مما يقعُ في المستقبل، فَيَقَعَ على ما ظنّه؛ فيكونُ ذلك ظنًّا صادقًا، إذا كان عن مُوجِبٍ عاديٍّ يقتضي ذلك الظَّنَّ، وليس بِعِلمٍ، فيفهم هذا منه؛ فإنَّه موضعٌ غَلِطَ بسببه رجال، وأُكِلَت به أموال، ثم اعلم أنّ أَخذَ الأجرةِ والجُعلِ على ادِّعَاءِ عِلمِ الغيبِ أو ظَنِّهِ لا يجوزُ بالإجماع؛ على ما حكاه أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البَرِّ.
وفي الحديث أبوابٌ من الفقه وأبحاثٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهَا، والله أعلم.