للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المُسلِمُونَ فَكَانَت سُنَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ مَن أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ، الَّتِي بِالمُشَلَّلِ، لَا يَطُوفُونَ بَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ. فَلَمَّا كَانَ الإِسلَامُ سَأَلنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَن ذَلِكَ؟ فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَلَو كَانَت كَمَا تَقُولُ: لَكَانَت: فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قَالَ الزُّهرِيُّ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِأَبِي بَكرِ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، فَأَعجَبَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ: إِنَّ هَذَا العِلمُ، وَلَقَد سَمِعتُ رِجَالاً مِن أَهلِ العِلمِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَ مَن لَا يَطُوفُ بَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ مِن العَرَبِ، يَقُولُونَ: إِنَّ طَوَافَنَا بَينَ هَذَينِ الحَجَرَينِ مِن أَمرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِن الأَنصَارِ: إِنَّمَا أُمِرنَا بِالطَّوَافِ بِالبَيتِ وَلَم نُؤمَر بِهِ بَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ، فَأَنزَلَ اللَّهُ: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكرِ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ: فَأُرَاهَا قَد نَزَلَت فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.

ــ

ألاّ أطوف بهما)؛ إنما فهم هذا عروة من ظاهر قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ووجه فهمه أن رفع الحرج عن الفعل إنما يشعر بإباحته، لا بوجوبه، وهو مُقتضى ظاهرها؛ إذا لم يعتبر سبب نزولها. فإذا وقف على سبب نزولها تحقق الواقع عليه: أنها إنما أتت رافعة لحرج من تحرَّج من الطواف بينهما على ما يأتي.

وقد اختلف فيه قولُ عائشة، واختلف الرواة عنها في ذلك. ففي بعض الروايات عنها: أن أهل المدينة كان من أهل منهم لِمَناة؛ لم يطف بينهما. وكأن هؤلاء بقوا بعد الإسلام على ذلك الامتناع حتى أنزلت الآية. وفي بعضها: أن من أهل لإساف ونائلة بالإسلام خافوا ألا يكون مشروعًا لمن لم يهل لهما. فرفع الله تلك التوهمات كلها بقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِ} وقد ذكر أبو بكر بن عبد الرحمن عند سماعه قول عائشة -رضي الله عنها- ما يدل على سببين آخرين، نص عليهما في معنى الحديث، ويرتفع الإشكال، ويصح الجمع بين هذه الروايات المختلفة بالطريق الذي سلكه أبو بكر بن عبد الرحمن؛ حيث قال: فأراها نزلت في هؤلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>