للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الكَعبَةِ أَنقُضُهَا، ثُمَّ أَبنِي بِنَاءَهَا، أَو أُصلِحُ مَا وَهَى مِنهَا؟ فقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي قَد فُرِقَ لِي رَأيٌ فِيهَا، أَرَى أَن تُصلِحَ مَا وَهَى مِنهَا، وَتَدَعَ بَيتًا أَسلَمَ النَّاسُ عَلَيهِ، وَأَحجَارًا أَسلَمَ النَّاسُ عَلَيهَا، وَبُعِثَ عَلَيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ ابنُ الزُّبَيرِ: لَو كَانَ أَحَدُكُم احتَرَقَ بَيتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيفَ بَبيتُ رَبِّكُم، إِنِّي مُستَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمرِي، فَلَمَّا مَضَت ثَلَاثٌ أَجمَعَ رَأيَهُ أَن يَنقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَن يَنزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصعَدُ فِيهِ أَمرٌ مِن السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلقَى مِنهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَم يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيءٌ، تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ، حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الأَرضَ، فَجَعَلَ ابنُ الزُّبَيرِ أَعمِدَةً، فَسَتَّرَ عَلَيهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارتَفَعَ بِنَاؤُهُ.

ــ

وقول ابن عباس: (إنه فُرِقَ لي فيها رأي)؛ أي: انكشف واتضح. ومنه قوله تعالى: {وَقُرآنًا فَرَقنَاهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكثٍ}؛ أي: أوضحناه، وكشفنا معانيه. و (وهى): ضعف ورَثَّ. و (أجمع رأيه) - رباعيًّا -: عزم، وأمضى. فأما: جمع - ثلاثيًّا -: فضد التفريق. و (تحاماه الناس)؛ أي: امتنعوا من نقض البيت خوفًا وهيبة. و (تتابعوا) كافة الرواة على الباء بواحدة من التتابع. وهو الجيِّد هنا (١). وضبطه أبو بحر بالياء باثنتين من تحتها، ومعناهما واحد، غير أن: التتايع - بالياء، باثنتين - أكثره في الشرِّ.

وقوله: (فجعل ابن الزبير أعمدة فستَّر عليها الستور)؛ إنما فعل ذلك ابن الزبير لاستقبال المستقبلين، وطواف الطائفين، ولأن ابن عباس قال: (إن كنتَ هادمَها فلا تدع الناس لا قِبلة لهم. وهذا يدل على أن بقعة البيت ما كانت تتنزَّل عندهما منزلة البيت، وقد خالفهما في ذلك جابر وقال: صلوا إلى موضعها. وقد ذكرنا الخلاف بين الفقهاء في ذلك. وما فعله عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- في


(١) في (ج): منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>