للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤَالِهِم، وَاختِلَافِهِم عَلَى أَنبِيَائِهِم، فَإِذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ فَأتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم، وَإِذَا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فَدَعُوهُ.

رواه مسلم (١٣٣٧)، والنسائي (٥/ ١١٠ - ١١١).

* * *

ــ

عليه اللفظ، وهو المرة الواحدة، فإنها مدلولة للَّفظ قطعًا، وما زاد عليها يتغافل عنه، ولا يكثر السؤال فيه لإمكان أن يكثر الجواب المترتب عليه، فيضاهي ذلك قصة بقرة بني إسرائيل التي قيل لهم فيها: اذبحوا بقرة. فلو اقتصروا على ما يصدق عليه اللفظ، وبادروا إلى ذبح بقرة - أي بقرة كانت - لكانوا ممتثلين، لكن لما أكثروا السُّؤال كثر عليهم الجواب، فشدَّدوا، فَشُدِّد عليهم، فذُمُّوا على ذلك، فخاف النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا على أمته، ولذلك قال: (فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم)، وعلى هذا يحمل قوله: (فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم)؛ يعني: بشيء مطلق. كما إذا قال: صُم، أو صلِّ، أو تصدَّق. فيكفي من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم. فيصوم يومًا، ويصلِّي ركعتين، ويتصدَّق بشيء يُتصدَّق بمثله. فإن قيَّد شيئًا من ذلك بقيودٍ، ووصفه بأوصاف لم يكن بدٌّ من امتثال أمره على ما فصَّل وقيَّد، وإن كان فيه أشدُّ المشقَّات، وأشقُّ التكاليف. وهذا مما لا يختلف فيه إن شاء الله تعالى أنه هو المراد بالحديث.

وقوله: (وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)؛ يعني: أن النهي على نقيض الأمر، وذلك: أنه لا يكون ممتثلًا بمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدًا من آحاد ما يتناوله النهي، ومن فعل واحدًا فقد خالف، وعصى، فليس في النهي إلا ترك ما نهي عنه مطلقًا دائمًا، وحينئذ يكون ممتثلًا لترك ما أُمر بتركه، بخلاف الأمر على ما تقدَّم. وهذا الأصل إذا فهم هو ومسألة مطلق الأمر، هل يحمل على الفور، أو التراخي، أو على المرة الواحدة، أو على التكرار؟ وفي هذا الحديث أبواب من الفقه لا تخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>