للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَصَابَتهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ، وَكُنتُ أَخبَأُهَا حَيَاءً مِن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلتُ: فَفِيمَ نَشرَبُ يا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: فِي أَسقِيَةِ الأَدَمِ الَّتِي تُلاثُ عَلَى أَفوَاهِهَا، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ أَرضَنَا كَثِيرَةُ الجِرذَانِ، وَلَا تَبقَى فيِهَا أَسقِيَةُ الأَدَمِ،

ــ

و(تُلَاثُ عَلَى (١) أَفوَاهِهَا) أي: تُشَدُّ وتُربَط. قال القُتَبِيُّ (٢): أصلُ اللَّوثِ: الطَّيُّ، ولُثتُ العمامةَ: لَفَفتُها؛ وهذا نحو ممَّا يقال: عليكم بالمُوكَى بالقصر، أي: السقاء الذي يُربَطُ فوه بالوِكَاء، وهو الخيط.

والجِرذَان جمعُ جُرَذٍ، وهو الفأر، وإنما حضَّهم على الانتباذ في الأسقية؛ لأنها إذا غلا فيها النبيذُ انشقَّت لرقَّةِ (٣) الجلود خلافِ الأواني المذكورةِ؛ قيلُ: فإنها تعجِّل الشدَّةَ وتُخفِيهَا.

و(قولهم: إِنَّ أَرضَنَا كَثِيرَةُ الجِرذَانِ، وَلَا تَبقَى فيِهَا أَسقِيَةُ الأَدَمِ) أي: لأنَّ الجِرذَانَ تأكلها؛ ولذلك قال لهم: وَإِن أَكَلَتهَا الجِرذَانُ، ولم يعذرهم بذلك؛ لأنَّهم يمكنهم التحرُّزُ بتعليق الأَسقية، أو باتِّخَاذِ ما يُهلِكُ الفئران مِن حيوانٍ أو غيره، والله تعالى أعلم.

وقد تمسَّكَ بعض أهل العلم بظاهر هذا النهي عن الانتباذ في تلك الظروف؛ فحمله على التحريم، ومِمَّن قال هذا: ابن عمر، وابن عباس، على ما يأتي في الأشربة؛ فسنبيِّن هنالك - إن شاء الله تعالى - أنَّ ذلك منسوخٌ بقوله عليه الصلاة والسلام: كنتُ نَهَيتُكُم عَنِ الاِنتِبَاذِ إِلَاّ فِي الأسِقَية، فَانتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيرَ أَلَاّ تَشرَبُوا مُسكِرًا (٤).


(١) في (ع) و (م): و.
(٢) كذا في (ع) و (م) و (ل)، وفي اللسان (ابن قتيبة)، انظر: مادة (لوث).
(٣) في (ع): لقوة، والتصحيح من (ل) و (م) وشرح النووي لصحيح مسلم.
(٤) رواه مسلم (٩٧٧) من حديث بُريدة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>