لنفسه، وظاهرُها الملك، فيكون عقيل اعتدى على دار النبي - صلى الله عليه وسلم - ورباعه فأخذها وتصرَّف فيها، كما فعل أبو سفيان بدور من هاجر من المؤمنين. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنَّ عُقَيلًا بَاعَ مَا كَانَ لِلنبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن هاجر من بني عبد المطلب. فعلى هذا يكون تَركُ النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرُّجًا من أن يرجع في شيء أُخرج منه لأجل الله تعالى. وقيل: إنَّه حكم لها بحكم البلد (١). وقد خرجت عن ملكه لما غنمها المسلمون - كما يقوله مالك والليث في هذه المسألة لا في هذا الحديث. وهذا فيه بُعد؛ لأنه يكون تعليله - صلى الله عليه وسلم - بأخذ عقيل لها ضائعًا، ويخرج أن يكون جوابًا عما سُئله. وقيل: كان أصلها لأبي طالب فأسكنه إيَّاها، فلما مات أبو طالب ورثه عقيل وطالب لكونهما مساويَين له في الكفر، ولم يرثه علي ولا جعفر لكونهما مسلمين، فأخذها عقيل لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم ميراثه من أبيه. وعلى هذا فيكون إضافتها إليه مجازية لأنه سكنها فقط، والقول الأول أولى.
وقد اختلف في مكة ودورها ورباعها؛ هل هي مملوكة لأحدٍ فيبيع ويكري؟ أو لا ملك لأحدٍ على شيء منها فلا يجوز فيها شيء من ذلك؟ وإلى الأول ذهب الشافعي وبعض السَّلف، وإلى الثاني ذهب أبو حنيفة والثوري، وتوسَّط مالك فكره ذلك، وللخلاف سببان:
أحدهما: هل فتح مكة كان عُنوة فتكون مغنومة، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسمها وأقرها إلى أهلها ولمن جاء بعدهم، كما فعل عمر بالأرض المغنومة، فتبقى على ذلك لا تباع ولا تُشرى؟ وبأنها فتحت عُنوة - قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي، أو كان فتحها صُلحًا؟ وإليه ذهب الشافعي. فتبقى ديارهم بأيديهم وفي أملاكهم يتصرفون فيها كيف شاؤوا.