اعتذاره - صلى الله عليه وسلم - عن دخول مكة غير محرم مقاتلًا بقوله إنها لم تحل لي إلا ساعة من نهار. . . الحديث، وبهذا أخذ مالك والشافعي - في أحد قوليهما - وكثير من أصحابهما، فقالوا: لا يجوز لأحدٍ أن يدخل مكة إلا محرمًا، إلا أن يكون ممن يكثر التكرار إليها كالحطابين ونحوهم. وقد أجاز دخولها لغير المحرم ابن شهاب والحسن والقاسم، وروي عن مالك والشافعي والليث، وقال بذلك أبو حنيفة إلا لمن منزله وراء المواقيت، فلا يدخلها إلا بإحرام، واتفق الكل على أن من أراد الحج أو العمرة أنه لا يدخلها إلا محرمًا.
ثم اختلف أهل القول الأول فيمن دخلها غير محرم؛ فقال مالك وأبو ثور والشافعي أنه لا دم عليه، وقال الثوري وعطاء والحسن بن حييٍّ: يلزمه حج أو عمرة - ونحوه قال أبو حنيفة فيمن منزله وراء المواقيت.
ومتمسَّك من قال بجواز دخولها لغير المحرم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المواقيت المتقدِّم: هن لهم ولكلِّ آتٍ أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج أو العمرة) (١)، وتأولوا الحديث المتقدم بأن قالوا: إنما اعتذر - صلى الله عليه وسلم - عن دخوله مكة مقاتلًا كما قال:(فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .) الحديث.
قال القاضي عياض: لم يختلف في دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أنه كان حلالًا؛ لدخوله والمغفر على رأسه، ولأنه دخلها مُحاربًا حاملًا للسلاح هو وأصحابه. ولم يختلفوا في تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكذلك لم يختلفوا في أن من دخلها لحرب أو لشيء أنه لا يحل له أن يدخلها حلالًا.
وقوله وإنه لم يحل القتال لأحدٍ قبلي، الضمير في إنَّه هو ضمير الأمر والشأن، وظاهر هذا أن حكم الله تعالى كان في مكة ألا يقاتل أهلها ويُؤمن من