للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهًا على ما قال سيف بن ذي يزن لعبد المطلب حين قدم عليه في وفد قريش، حيث بشره بأنه يكون من ولده نبي يقتل أعداءه. ولم يكن ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- على جهة الافتخار بآبائه، فإن ذلك من خلق الجاهلية التي قد نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحرَّمها، وذمَّ من انتمى إليها.

لا يقال؛ يصح أن ينسب هذا الشعر للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمنَاهُ الشِّعرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}؛ لأنا نجيب عن ذلك بأوجه:

أحدها: أن هذا قصد به السجع لا الشعر، فليس بشعر. قيل (١) قد قال الأخفش: إن هذا رجز، والرجز ليس من الشعر.

والثاني: أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد نظمًا ووزنًا فيكون شعرًا، فقد يأتي في الكلام والقرآن ما يتزن بوزن الشعر وليس بشعر، كقوله تعالى: {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وقوله: {نَصرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتحٌ قَرِيبٌ} وكثيرا ما يقع للعوام في كلامهم المقفى الموزون، وليس بشعر، ولا يسمى قائله شاعرًا؛ لأنه لم يقصده، ولا شعر به (٢). والشعر إنما سمي بذلك؛ لأن قائله يشعر به ويقصده نظمًا، ووزنًا، ورويًا، وقافية، ومعنى.

والثالث: على تسليم أن هذا شعر فلا يلزم منه أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- عالِمًا بالشعر، ولا شاعرًا؛ فإن التمثل بالبيت الندر، وإصابة القافيتين من الرجز وغيره؛ لا يوجب أن يكون قائلها عالمًا بالشعر، ولا يسمى شاعرًا باتفاق العقلاء. وأما الذي نفى الله عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- فهو العلم بالشعر، وأصنافه، وأعاريضه، وقوافيه،


(١) فيِ (ع) و (ج): بل.
(٢) "شَعُر": اكتسب ملكة الشِّعر فأجاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>