المُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَا عَمِّ، قُل: لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، كَلِمَةً أَشهَد لَكَ بِهَا عِندَ اللهِ، فَقَالَ أبو جَهلٍ وَعَبدُ اللهِ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرغَبُ عَن مِلَّةِ عَبدِ المُطَّلِبِ؟ ! فَلَم يَزَل رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعرِضُهَا عَلَيهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلكَ المَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أبو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُم: هو عَلَى مِلَّةِ عَبدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَن يَقُولَ: لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا وَاللهِ لأستَغفِرَنَّ لَكَ
ــ
السير. وكان أبو طالب يَعرِفُ صدقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلِّ ما يقوله، ويقولُ لقريش: تَعلمُون واللهِ أنّ محمّدًا لم يكذب قطُّ، ويقولُ لابنه عليٍّ: اتَّبِعهُ، فإنَّه على الحقِّ. غير أنَّه لم يدخُل في الإسلام، ولم يَتَلفَّظ به، ولم يَزَل على ذلك إلى أن حَضَرتهُ الوفاةُ، فدخل عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - طامعًا في إسلامه، وحريصًا عليه، باذلاً في ذلك جُهده، مستفرغًا ما عنده، لكن عاقت عن ذلك عوائقُ الأقدار، التي لا ينفَعُ معها حرصٌ ولا اقتدار.
و(قوله: يَا عَمِّ، قُل: لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، كَلِمَةً أَشهَد لَكَ بِهَا عِندَ اللهِ) أحسنُ ما تُقيَّد به كلمة النصبُ؛ على أن تكون بدلاً من لا إله إلاّ الله، ويجوزُ رفعُها (١) على إضمار المبتدأ. وأَشهَد: مجزومٌ على جواب الأمر، أي: إن تقل أشهد.
وكلُّ ذلك ترغيبٌ وتذكيرٌ لأبي طالب، وحِرصٌ على نجاته، ويأبى الله إلَاّ ما يريد.
و(قوله: فَلَم يَزَل رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعرِضُهَا عَلَيهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلكَ المَقَالَةَ) هكذا هو في الأصول وعند أكثر الشيوخ، ويعني بذلك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقبَلَ على أبي طالب يعرضُ عليه الشهادة، ويكرِّرها عليه.
ووقع في بعض النسخ: وَيُعِيدَانِ لَهُ تِلكَ المَقَالَةَ، ووجههما: أنّ أبا جهل وعبد الله بن أبي أُميَّة أعادا على أبي طالب قولهما له: أَتَرغَبُ عَن مِلَّةِ عَبدِ المُطَّلِبِ؟ ! حتَّى أجابهما إلى ذلك.
و(قوله: وأبى أن يقولَ: لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، أي: امتنع من قولها.