للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: مَن دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَن أَغلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَن أَلقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَت الأَنصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَد أَخَذَتهُ رَأفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغبَةٌ فِي قَريَتِهِ. وَنَزَلَ الوَحيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وقَالَ: قُلتُم: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَد أَخَذَتهُ رَأفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغبَةٌ فِي قَريَتِهِ، أَلَا فَمَا اسمِي إِذًا (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أَنَا مُحَمَّدٌ عَبدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، هَاجَرتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيكُم، فَالمَحيَا مَحيَاكُم، وَالمَمَاتُ مَمَاتُكُم. قَالَوا: وَاللَّهِ مَا قُلنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُم وَيَعذِرَانِكُم.

ــ

الذي صار إليه جمهور العلماء، والفقهاء، مالك وغيره، ما عدا الشافعي، فإنه قال: فتحت صلحًا. وقد اعتذر بعض أصحابه عنه في ذلك بأن قال: أراد الشافعي بقوله: إنه - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة صلحًا؛ أي: فعل فيها ما يفعل من صالح. فملكهم أنفسهم، ومالهم (١)، وأرضيهم.

قلت: والكل متفقون على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكة أمن أهلها ولم يغنمهم، وترك لهم أموالهم، وذراريهم، وأراضيهم، ولم يجر عليها حكم الغنيمة، ولا حكم الفيء، فكان ذلك أمرًا خاصًّا بمكة، لشرفها، وحرمتها، ولا يساويها في ذلك غيرها من البلاد بوجه من الوجوه. والله تعالى أعلم. وقد تقدم الكلام في بيع دور مكة وإجاراتها.

وقول الأنصار: (أما الرَّجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته)؛ هذا القول ليس فيه تنقيص، ولا تصغير، وإنما هم لما رأوا منه ما يقتضيه خلق الكرام، وجبلات الفضلاء من الرأفة على العشيرة، والصَّغو (٢) للوطن، والحنين له، خافوا أن يؤثر المقام فيها على المقام بالمدينة، فحملهم شدة محبتهم له، وكراهة


(١) في (ج): وأموالهم.
(٢) "الصغو": الميل.

<<  <  ج: ص:  >  >>