للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَنزَلَ اللهُ: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ الآية.

رواه مسلم (٢٥)، والترمذي (٣١٨٧).

* * *

ــ

ومعنى: أقرَرتُ عينَك بها، أي: سرَرتُك بقولها، وأبلغتُكَ أُمنيتك: قال ثعلب: يقال: أقرَّ اللهُ عينَكَ، أي: بلَّغه أمنيتَهُ حتَّى ترضَى نفسُهُ، وتَقرَّ عيناُهُ؛ ومنه قولهم فيمن أدرَكَ ثأرَهُ: وَقَعتَ بِقُرِّك، أي: أدرَكَ قلبُكَ ما كان يتمنَّى. وقال الأصمعيُّ: معناه: بَرَّدَ الله دمعته؛ لأنَّ دمعةَ الفرح باردةٌ.

قال غيره: ودمعةُ الحزن حارَّة؛ ولذلك يقال: أسخَنَ اللهُ عينَهُ، أي: أراه ما يسوؤُهُ فيبكي فتَسخَنُ عينُهُ.

وقوله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ أي: ما يجوزُ ولا ينبغي لهم ذلك، مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحَابُ الجَحِيمِ أي: الموت على الكفر.

والجحيمُ: اسمٌ من أسماء النار المُعَدَّة للكفَّار، وكل نارٍ في مَهواة، فهي جحيمٌ؛ ومنه قوله تعالى: ابنُوا لَهُ بُنيَانًا فَأَلقُوهُ فِي الجَحِيمِ. والجاحمُ: المكانُ الشديد الحرِّ، وأصحابُ الجحيم مَستَحِقُّوها وملازموها.

ثَمَّ بيَّن الله عُذرَ إبراهيم عن استغفاره في قوله: وَاغفِر لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ بأنَّ ذلك: إنما كان منه لأجلِ وَعدِ إبراهيمَ لأبيه حين قال له سَأَستَغفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وقيل: إنَّ الموعدة هي مِن أبي إبراهيم له بِأن يُسلِم، فلمَّا لم يَفِ بها، وتبيَّن له أنَّه لا يُسلِم إمَّا بالوحي وإمَّا بموته على الكفر؛ تبرَّأ منه، كما قال تعالى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ، والقولان لأهل التفسير.

قال القاضي أبو بَكرِ بنُ العَرَبِيِّ: يروى عن عمرو بن دينار أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: استغفَرَ إبراهيمُ لأبيه وهو مشركٌ؛ فلا أَزَالُ أستغفرُ لأبي طالبٍ حتّى ينهاني الله (١)، وقال أصحابُهُ: استغفِرُوا


(١) أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ١٠٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>