ذكر الأحزاب هنا وهم، وإنما كانت غزوة ذات الرقاع، فإنها كانت في الرابعة من الهجرة، كما قدمناه آنفًا.
قلت: ويمكن أن يقال: لا وهم في ذلك؛ لإمكان أن يكون ابن عمر في غزوة أحد دخل في أول سنة أربع عشرة من حين مولده، وذلك في شوال في غزوة أحد، ثم كملت له سنة أربع عشرة في شوال من السنة الآتية، ثم دخل في الخامس عشر إلى شوالها الذي كانت فيه غزوة الأحزاب، فأراد: أنه كان في غزوة أحد في أول الرابعة، وفي غزوة الأحزاب في آخر الخامسة. والله تعالى أعلم.
وقد تمسكت طائفة من العلماء بهذا الحديث: على أن خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم ولا حاضت، وهو قول الشافعي، والأوزاعي، وابن حنبل، وابن وهب من أصحابنا. وأبى ذلك مالك، وأبو حنيفة، وغيرهما من الحجازيين، والمدنيين، والكوفيين. قال مالك: لا يحكم لمن لم يحتلم بحكم البلوغ حتى يبلغ ما لا يبلغه أحد إلا احتلم، وذلك: سبع عشرة. ورأوا: أن حديث ابن عمر إنما موجبه الفرق بين من يطيق القتال، ويسهم له، وهو ابن خمس عشرة سنة، ومن لا يطيقه، فلا يقسم له، فيجعل في العيال. وهذا هو الذي فهم عمر بن عبد العزيز من الحديث.
ولم يختلف في: أن الحلم والحيض بلوغ، واختلفوا في الإنبات البيِّن. فمنهم من قال: يستدل به على البلوغ، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وروي عن القاسم، وسالم. وقاله مالك مرَّة. وقال الزهري وعطاء: لا حدّ على من لم يحتلم. وهو قول الشافعي، ولم يراع الإنبات، ومال إليه مالك مرَّة، وقال به بعض أصحابه.