مطلقًا، فتستوي فيه الجيوش والسرايا. وهو مذهب مالك، وقدماء أصحابه، وسحنون، وابن حبيب. وذهب أبو حنيفة وغيره: إلى الفرق بين الجيوش العظام فيجاز ذلك فيها، وبين الصغار فيمنع ذلك فيها؛ نظرًا إلى العلة التي نص عليها في الحديث، حيث قال:(فإني لا آمن أن يناله العدو)؛ ونيل العدو له في الجيوش العظام نادر. ولأصحاب القول الأول بعد تسليم العلة المذكورة التمسك بسدّ الذريعة، وبأن نسيانه، وسقوطه ليس نادرًا.
وقوله:(فإني لا آمن أن يناله العدو)؛ ظاهره: أنه من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه متصل بما تقدَّم من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك رواه جماعة من الحفاظ الثقات متصلة به، ومن كلامه -صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه عبد الرحمن بن مهدي، وابن وهب عن مالك، غير أن يحيى بن يحيى الأندلسي، ويحيى بن بكير روياها من قول مالك، وموقوفة عليه. ويمكن حمل هذه الرواية على أن مالكًا عرض له شك في رفعها فوقفها عليه، والظاهر رواية الجماعة المتقدمة.
وفي هذا الحديث ما يدل على أنه لا يمكن العدو من المصحف، ولا من بعضه؛ لئلا يستهزئ بذلك، ويستخف به. وأيضًا فإنهم على نجاسة وجنابة، ولا يعترض هذا بكتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، لما قدَّمناه في حديثه.
وقول أيوب:(وقد ناله العدو وخاصموكم به)؛ يعني: أنكم لما خالفتم ما قاله لكم نبيكم، فمكنتم عدوكم من المصحف نالوه، وتوجهت حجته عليكم، من حيث مخالفتكم نبيكم، وأيضًا: فلما وقفوا عليه وجدوا فيه ما يشهد عليكم بالمخالفة، مثل قوله تعالى:{إِن يَكُن مِنكُم عِشرُونَ صَابِرُونَ} الآيتين، وغير ذلك من الآيات التي ترك العمل بها.