المسلمين لم يختلفوا في أن الإيمانَ مع الجهاد أفضل من مجرَّد السقاية والعمارة، وإنَّما اختلفوا في أي الأعمال أفضل بعد الإسلام، وقد نصّوا على ذلك في الحديث. وأيضًا: فلا يليقُ أن يقالَ لهم في هذا الذي اختلفوا فيه: {وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ} كما قال في آخر الآية. وأيضًا: فإن الآيات التي قبل هذه الآية من قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلمُشرِكِينَ أَن يَعمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} تدلُ على أن الخطاب مع المشركين، فتعيّن الإشكال، فلينظر في التخلص منه. ويمكن أن يتخلص منه بأن يقال: إن بعضَ الرُّواة تسامَحَ في قوله: فأنزل الله الآية. وإنما قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على عُمَرَ الآيةَ حين سأله، فظن الرَّاوي أنها نزلت حينئذ، وإنما استدلَ بها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على أن الجهادَ أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم عُمر، فاستفتى لهم، فتلا عليه ما كان قد أنزل عليه في المشركين، لا أنها نزلت في هؤلاء. فيبقى أن يقال: فكيف يُستدلُ بما أنزل في المشركين في حالةٍ مخصوصة على مثل ذلك المعنى في المسلمين، وهم مخالفون لهم في تلك الحال؟
والجواب: أن هذا لا بُعدَ فيه. فقد تنتزعُ مما أنزل في المشركين أحكام تليقُ في المسلمين، كما قد فعله عمر، حيث قال: أما إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضع صحفةٌ، وترفع أخرى، ولكنَّا سمعنا قوله تعالى:{أَذهَبتُم طَيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا وَاستَمتَعتُم بِهَا} وهذه الآية نصٌّ في أنها للكفار، ومع ذلك ففهم عمر منها الزجرَ عما يناسبُ أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فيمكن أن تكونَ هذه الآيةُ من هذا النوع، والله تعالى أعلم.