للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي لفظ آخر: لَا يَجتَمِعَانِ فِي النَّارِ اجتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ.

ــ

قتل الكافر لم يدخل النَّارَ بوجهٍ من الوجوه. ولم يقيده في هذا الطريق بقيدٍ؛ لكن قال في الرِّواية الأخرى: (ثم سَدد)، وقد استشكل بعضُ الرواة هذا اللفظ. وجهةُ الإشكال: أن مآلَ السَّداد هو الاستقامة على الطريقة من غير زيغ، ومَن كان هذا حالُه لا يدخل النار؛ قتل كافرًا أو لم يقتله. وسلك في الانفصال عن هذا الإشكال أن حمل (سدد) على (أسلم)، بمعنى: أن القاتلَ كان كافرًا، ثم أسلم، وصرفه للحديث الآخر؛ الذي قال فيه: (يضحك الله لرجلين).

قلتُ: وهذا الإشكالُ إنما وقع لهذا القائل من حيث فسَّر السَّداد بما ذكر، والذي يظهرُ لي: أنه ليس المراد بالسَّداد هنا ما ذكر؛ بل بعض ما ذكر، وهو أن يسدد حالَه في التخلص من حقوق الآدميين؛ التي تقدَّم الكلامُ عليها في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيءٍ إلا الدَّين) (١)، فإذا لم تكفر الشهادةُ الدينَ كان أبعد أن يكفره قتل الكافر. ويحتملُ أن يقالَ: سدد بدوام الإسلام حتى الموت. أو باجتناب الموبقات التي لا تُغفر إلا بالتوبة، كما تقدَّم في الطهارة. والله تعالى أعلم.

وقوله في الطريق الآخر: (لا يجتمعان في النار اجتماعًا يضرُّ أحدُهما الآخر)؛ مخالف للرواية الأولى (٢)، فإن ظاهرَ تلك: نفي الاجتماع مطلقًا. وظاهرُ هذه: نفي اجتماع مخصوص. فتعارض الظاهران. ووجهُ الجمع: حملُ المطلق على المقيَّد. بمعنى: أنَّ من قتَل كافرًا ثمَّ مات مرتكبَ كبيرةِ، غير تائبٍ منها، فأمرُه إلى الله تعالى؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، وأدخله النار. ثم إن دخل النار فإنما يدخل حيث يدخلُ المؤمنون المذنبون، لا حيث يدخل الكافرون. فلا يجتمعُ ذلك المؤمنُ مع مقتوله الكافر أبدًا، ولا يلقاه حتى يخاصمه، كما قد جاء:


(١) سبق تخريجه.
(٢) في (ج ٢): الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>