للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَا أَبَا عَمرٍو، أَينَ؟ فَقَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الجَنَّةِ، أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، قَالَ: فَقَاتَلَهُم حَتَّى قُتِلَ، قَالَ: فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضعٌ وَثَمَانُونَ مِن بَينِ ضَربَةٍ وَطَعنَةٍ وَرَميَةٍ، قَالَ: فَقَالَت أُختُهُ عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنتُ النَّضرِ: فَمَا عَرَفتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ} الآية

ــ

وقوله: (واهًا لريح الجنة)؛ أي: عجبًا منه، فهي هنا تعجب، وقد تأتي للترحم، والتلهف، والاستهانة.

وقوله: (أجده دون أُحُدٍ)؛ ظاهرُه الحملُ على: أنه وجده حقيقةً، كما جاء في الحديث الآخر: (إن ريح الجنة توجدُ على مسيرة خمسمائة عامٍ) (١)، ويحتملُ أن يكون قاله على معنى التمثيل؛ أي: إن القتلَ دون أُحُد موجب لدخول الجنة، ولإدراك ريحها ونعيمها.

وقوله: (فقاتلهم حتى قتل)؛ ظاهره: أنه قاتلهم وحده. فيكون فيه دليل على جواز الاستقتال، بل على نَدبيته؛ كما تقدم.

وقولها: (فما عرفَتُه إلا ببنانه)؛ أي: بأصابعه. ومنه قوله تعالى: {عَلَى أَن نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}

وقوله: {فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ}؛ أي: وفَّى بنذره. يقال: نحب، ينحُب إذا نذر، ومنه قول الشاعر:

إذا نحبت كلبٌ على الناس إنَّهم ... أحقّ بتاجِ الماجد المتكرِّم

وقيل: قضى أجله على ما عاهد عليه. قال ذو الرمَّة:

عَشِيَّةَ فرَّ الحارِثُيونَ بَعدَما ... قَضَى نَحبَهُ في مُلتَقى الجيشِ هَوبَرُ (٢)


(١) رواه أبو نعيم في صفة الجنة (١٩٤)، والحلية (٣/ ٣٠٧).
(٢) انظر: الديوان (٢/ ٦٤٧).
"هوبر": هو ابن يزيد الحارثي.

<<  <  ج: ص:  >  >>