للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَاّ للهِ تعالى،

ــ

ومع ذلك: فذلك الميلُ والأُنسُ والتشوُّقُ موجودٌ لنا (١)؛ ومَن شَكَّ في وِجدانِ ذلك، أو أنكَرَهُ، كان عن جِبِلَّةِ الإنسانيَّةِ خارجَا، وفي غِمَارِ المعتوهين والجَا.

وإذا تقرَّر ذلك: فإذا كان هذا الموصوفُ بذلك الكمال قد أحسنَ إلينا، وفاضَت نعمُهُ علينا، ووصَلَنَا ببِرِّه، وعطفِهِ ولُطفِه، تضاعَفَ ذلك الميلُ، وتجدَّد ذلك الأُنس، حتَّى لا نصبرَ عنه، بل يستغرقنا ذلك الحال، إلى أن نُذهَلَ عن جميعِ الأشغال، بل ويطرأُ على المُشتَهرِ بذلك نوعُ اختلال.

وإذا كان ذلك في حَقِّ مَن كمالُهُ وجمالُهُ مُقيَّدًا مَشُوبًا بالنقص مُعَرَّضًا للزوال، كان مَن كمالُهُ وجمالُهُ واجبًا مطلقًا (٢) لا يشوبُهُ نقصٌ ولا يعتريه زوال، وكان إنعامُهُ وإحسانُهُ أكثرَ بحيثُ لا ينحصرُ ولا يُعَدّ، أولَى بذلك الميل وأحقَّ بذلك الحبّ، وليس ذلك إلَاّ لله وحده، ثُمَّ لمن خصَّه الله تعالى بما شاء مِن ذلك الكمال، وأكملُ نوع الإنسان محمَّدٌ عليه أفضل الصلاةِ والسلام.

فَمَن تَحَقَّق ما ذكرناه، واتّصَفَ بما وصفناه، كان اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه ممَّا سواهما، ومن كان كذلك تأهَّلَ للقائهما، بالاتِّصَافِ بما يُرضِيهما، واجتنابِ ما يُسخِطُهُمَا؛ ويستلزمُ ذلك كلُّه الإقبالَ بالكُلِّيَّة عليهما، والإعراضَ عمَّا سواهما إلاّ بإذنهما وأمرهما، ولتفصيلِ ذلك موضعٌ آخر.

و(قوله: وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَاّ للهِ) يعني: بالمرء هنا: المُسلِمَ المؤمنَ؛ لأنَّه هو الذي يمكنُ أن يُخلَصَ لله تعالى في محبَّتِه، وأن يُتَقَرَّبَ لله تعالى باحترامِهِ وحُرمَتِه؛ فإنه هو الموصوفُ بالأخوَّة الإيمانيَّة، والمحبَّة الدينيَّة؛ كما قال تعالى: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ، وكما قال تعالى: فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا.


(١) في (ع): لدينا.
(٢) ساقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>