للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيها الثَّيب مكان الأيِّم، وبدليل: أنها قوبل بها البكر، وفُصِلَ بينهما، فأُعطيت كلُّ واحدة منهما حكمهما. وهذا واضح جدًّا.

وعليه: فلا مبالاة بما يقوله الكوفيون وزفر والشعبي (١) في هذا الحديث؛ من أنَّ المراد بالأيَّم: التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا. مستدلين به على أن الولي ليس بشرط في النكاح، بل للمرأة أن تُنكِح نفسها بغير ولي، بكرًا كانت أو ثيبا إذا بلغت. وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم: (أحق) على العقد؛ أي: أحقُّ من وليها بالعقد عليها.

وهذا لا يصح؛ لما ذكرناه؛ ولأن مقصود الحديث بيانُ حكم الثَّيب والأبكار بالنسبة إلى سماع الإذن. فالثيب تُعرِبُ عن نفسها؛ أي: تنطق بنفسها مرادها، ولا يُكتفَى منها بالسكوت. والبكر يُكتفَى منها بالسكوت. فقوله: (أحق بنفسها) أي: تنطق بنفسها، ولا ينطق الوليُّ عنها.

ثم نقول: بل هذا الحديث حجة للجمهور في اشتراط الوليِّ؛ بدليل صحة ما وقعت فيه المفاضلة. وبيان ذلك: أنَّ (أَفعَلَ مِن كذا) لا بدَّ فيها من اشتراك في شيء مما وقع فيه التفاضل؛ فإنك إذا قلت: فلان أعلم من فلان. اقتضى ذلك اشتراكهما في أصل العلم، وانفرد أحدهما بمزية (٢) فيه؛ وكذلك قوله: (أحق) لا بدَّ فيه أنّ يشاركها الوليُّ في حَقِّيَّةٍ ما، فإذًا: له مدخل. ثم وجدنا في الشريعة مواضع كثيرة تدلّ على أن ذلك المدخل هو شرط في صحة النكاح.

فمنها قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم} ووجه الاستدلال بها: أنه خطابٌ للأولياء والسَّادة بالعقد على من يكون عليهم، وقد سَوَّى بينهما بالخطاب. فكما أنه لا ينعقد النكاح على أَمَةِ الغير إلا بولاية سيدها، فكذلك لا ينعقد نكاح الحرَّة إلا بإذن وليّها؛ ضرورة التسوية بين النوعين في حكم الخطاب. وهو واضح جدًّا.


(١) في (م): الشافعي.
(٢) في (ع) و (ج): بمزيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>