[٣٣] وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عمرو؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الإِسلامِ خَيرٌ؟ قَالَ: تُطعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لَم تَعرِف.
ــ
أعمال الطاعات، والانتهاءِ عن جميع المخالفات؛ إذ لا تتأتَّى الاستقامةُ مع شيء من الاعوجاج، فإنَّها ضِدُّه.
وكأنَّ هذا القولَ منتزَعٌ من قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا} أي: آمَنُوا باللهِ ووحَّدوه، ثم استقاموا على ذلك وعلى طاعتِهِ إلى أن تُوُفُّوا عليها؛ كما قال عمرُ بنُ الخَطَّاب: استَقَامُوا واللهِ على طاعتِهِ، ولم يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثعالب، وملخَّصُهُ: اعتَدَلُوا على طاعة الله تعالى، عَقدًا وقولاً وفعلاً، وداموا على ذلك.
و(قوله: أَيُّ المُسلِمِينَ خَيرٌ) أي: أيُّ خصالهم أفضلُ؟ بدليل جوابه بقوله: تُطعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لَم تَعرِف، وكأنَّه - عليه الصلاة والسلام - فَهِمَ عن هذا السائلِ أنَّه يسألُ عن أفضلِ خصالِ المسلمين المتعدِّيَةِ النفعَ إلى الغير، فأجابَهُ بأعمِّ ذلك وأنفعِهِ في حقِّه؛ فإنَّه - عليه الصلاة والسلام - كان يجيبُ كُلَّ سائلٍ على حَسَبِ ما يُفهَمُ منه، وبما هو الأهمُّ في حقِّه والأنفعُ له.
و(قوله - عليه الصلاة والسلام -: وَتَقرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَن عَرَفتَ وَمَن لَم تَعرِف) قال أبو حاتم: تقول: قَرَأَ عليه السلامَ وأقرَأَهُ الكتابَ، ولا تقول: أَقرَأَهُ السلامَ إلَاّ في لغة سُوء، إلَاّ أن يكونَ مكتوبًا فتقول: أَقرِئهُ السلامَ، أي: اجعلهُ يقرؤه. وجمَعَ له بين الإطعامِ والإفشاء؛ لاجتماعهما في استلزام المحبَّةِ الدينيَّة، والأُلفةِ الإسلاميَّة؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: أَلَا أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلتُمُوهُ تَحَابَبتُم؟ أَفشُوا السَّلَامَ بَينَكُم (١).
وفيه: دليلٌ على أنَّ السلام لا يُقصَرُ
(١) رواه أحمد (٢/ ٣٩١)، ومسلم (٥٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي (٢٥١٢) من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه.