و(قول عائشة: ما رأيت امرأة أحب إليَّ أن أكون في مسلاخها من سودة) أي: في جلدها. وحقيقة ذلك: أنَّها تمنَّت أن تكون هي؛ لأن أحدًا لا يتمنى أن يكون في جلد غيره. وهذا اللفظ قد جرى مجرى المثل. ومقصودها: أنها أحبت أن تكون على مثل حالها في الأوجه التي استحسنت منها.
و(قولها: من امرأة فيها حِدَّة)(من) هنا: للبيان، والخروج من وصف إلى ما يخالفه، ولم تُرِد تنقيصَها بذلك، وإنما أرادت: أنَّها كانت شهمةَ النفس، حديدة القلب، حازمة مع عقل رصين، وفضل متين. ولذلك جعلت يومها لعائشة.
وفيه دليل على أن حق للزوجة ذات الضرائر. وأنَّه يجوز لها بذله لغيرها بعوض وغير عوض، إذا رضيَ بذلك الزوجُ. ويشهد لهذا كله قوله تعالى:{وَإِنِ امرَأَةٌ خَافَت مِن بَعلِهَا نُشُوزًا أَو إِعرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يُصلِحَا بَينَهُمَا صُلحًا وَالصُّلحُ خَيرٌ}
وفي هذه القصَّة نزلت هذه الآية على ما قيل. لكن عند مالك لها الرجوع في مثل هذا إذا شاءت؛ لأنها حقوق متجددة آنًا فآنًا، فلكل متجدِّد حكمه، بخلاف الحقوق الثابتة؛ تلك التي لا يًرجِعُ في شيء منها مَن أسقطها، مثل ما يترتب في الذمم، أو في الأبدان. وهذا أحد قولي مالك. وقيل: يلزم ذلك دائمًا (١).
و(قوله: فكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة) لا يفهم من هذا