هذه الإشارة صدَرَت عنه - عليه الصلاة والسلام - وهو بتَبُوكَ، وبينه وبين اليمن مكةُ والمدينة؛ ويؤيِّد هذا قولُهُ في حديث جابر: الإِيمَانُ فِي أهل الحِجَازِ، فعلى هذا: يكونُ المرادُ بأهلِ اليمن: أهلَ المدينة ومَن يليهم إلى أوائلِ اليمن.
وقيل: كان بالمدينة؛ ويؤيِّده أنَّ كونَهُ بالمدينة كان غالبَ أحوالِهِ؛ وعلى هذا: فتكونُ الإشارة إلى سُبَّاقِ اليمن، أو إلى القبائل اليمنيَّة الذين وَفَدُوا على أبي بكر لفتحِ الشامِ وأوائلِ العراق؛ وإليهم الإشارةُ بقوله - عليه الصلاة والسلام -: إنِّي لأَجِدُ نَفَسَ الرَّحمنِ مِن قِبَلِ اليَمَنِ (١)، أي: نَصرَهُ في حياتِهِ وتنفيسَه عنه فيها، وبعد مماته، والله تعالى أعلم. وسُمِّيَ اليَمَنُ يَمَنًا؛ لأنَّه عن يمين الكعبة، وسُمِّيَ الشامُ شامًا؛ لأنَّه عن يسارِ الكعبة، مأخوذٌ من اليدِ الشُؤمَى، وهي اليُسرَى.
و(قوله: إِنَّ القَسوَةَ وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ عِندَ أُصُولِ أَذنَابِ الإِبِلِ) القَسوَةُ وَغِلَظَ القُلُوبِ: اسمان لمسمًّى واحدٍ، وهو نحو قولِهِ: إِنَّمَا أَشكُو بَثِّي وَحُزنِي إِلَى اللَّهِ، والبَثُّ: هو الحُزن.
قال المؤلِّف: وَيَحتَمِلُ أن يقال: إِنَّ القسوةَ يرادُ بها: أنَّ تلك القلوبَ لا تَلِينُ لموعظة ولا تخشَعُ لِتَذكار، وغلظها: ألا تَفهَمَ ولا تَعقِل، وهذا أولى من الأوَّل.
والفَدَّادون مشدَّد الدال: جمعُ فَدَّاد؛ قال أبو عُبَيدٍ: هم المُكثِرون من الإبل، وهم جُفَاةٌ أهلُ خُيَلَاءَ، واحدهم: فدَّاد، وهو الذي يملكُ من المائتين إلى الألف. وقال أبو العبَّاس: هم الجَمَّالون والبَقَّارون، والحَمَّارون والرُّعيان. وقال الأصمعيُّ:
(١) قال العراقي: لم أجد له أصلًا. (كشف الخفاء ٨٠١).