لتخليص الرقاب من الرِّق، والأمر بها على جهة الندب عند الجمهور خلافًا لعطاء، وعكرمة، وأهل الظاهر، تمسُّكا بأن ظاهر الأمر المطلق: الوجوب، لكن الجمهور وإن سلموا ذلك الأصل الكلِّي، لكنهم قالوا: لا يصحُّ حمل هذا الأمر على الوجوب لأمور:
أحدها: أنَّه ظاهرٌ تُخالِفُه الأصول، فيُترك لها، وذلك: أن الإجماع منعقدٌ على أن السيد لا يجبر على بيع عبده، وإن ضُوعف له في الثمن. وإذا كان كذلك كان أحرى وأولى ألا يخرج عن ملكه بغير عوض. لا يقال: الكتابة طريقٌ للعتق. والشَّرع قد تشوَّف للعتق، فخالف البيع. فلا يقاس عليه؛ لأنا نمنع أن يكون للشرع تشوُّف للعتق مطلقا بل في محل مخصوص. وهو: ما إذا ابتدأ عتق الشقص، وألزمه نفسه، فتشوّف الشرع لتكميل الباقي. ولو اعتبرنا مطلق تشوّف الشرع للعتق للزم عتق العبد إذا طلبه مجانًا، ولا قائل به.
الثاني: أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده، فإذا قال العبد لسيده: خُذ كسبي وأعتقني. كان بمنزلة قوله: أعتقني بلا شيء، وذلك غير لازم. فالكتابة غير لازمة.
(بريرة) بفتح الباء بواحدة من تحتها، وكسر الراء المهملة، على وزن فعيلة، من البِرِّ. ويحتمل أن تكون بمعنى: مفعولة؛ أي: مبرورة، كأكيلة السبع؛ أي: مأكولة. ويحتمل أن تكون بمعنى: فاعلة؛ كرحيمة بمعنى: راحمة.
وظاهر قولها:(إن أهلي كاتبوني على تسع أواق): أن الكتابة قد كانت انعقدت، وصحَّت. وأن ذلك ليس بمراوضة على الكتابة. وعند هذا يكون مع ما وقع من شراء عائشة لها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرًا في جواز فسخ الكتابة، وبيع المكاتب للعتق، كما قد صار إليه طائفة من أهل العلم. وأما من لم يجز ذلك، وهم الجمهور، فأشكل عليهم الحديث، وتحزّبوا في تأويله؛ فمنهم من قال: إن