للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المُصلِحِ أَجرَانِ وَالَّذِي نَفسُ أَبِي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ، لَولَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي، لَأَحبَبتُ أَن أَمُوتَ وَأَنَا مَملُوكٌ. قَالَ سعيد بن المسيب: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ لَم يَكُن يَحُجُّ حَتَّى مَاتَت أُمُّهُ لِصُحبَتِهَا.

رواه البخاري (٢٥٤٨)، ومسلم (١٦٦٥).

[١٥٩١] وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: نِعِمَّا لِلمَملُوكِ أَن يُتَوَفَّى

ــ

و(قول أبي هريرة: (لولا الجهاد، والحج، وبرُّ أمِّي لأحببت أن أموت وأنا مملوك) تصريح: بأن العبد لا يجب عليه جهاد ولا حجّ. وهو المعلوم من الشرع؛ لأن الحجّ، والجهاد لا يخاطب بهما إلا المستطيع لهما. والعبد غير مستطيع؛ إذ لا استقلال له بنفسه، ولا مال؛ إذ لا يملك عند كثير من العلماء. وإن ملك عندنا فليس مستقلًا بالتصرف فيه. ويظهر من تمني أبي هريرة كونه مملوكًا: أنه فضل العبودية على الحرية. وكأنَّه فهم هذا من مضاعفة أجر العبد الصالح. وهذا لا يصحُّ مطلقا؛ فإن المعلوم من الشرع خلافه؛ إذ الاستقلال بأمور الدين والدُّنيا إنما حصل بالأحرار. والعبد كالمفقود لعدم استقلاله، وكالآلة المصرفة بالقهر، والبهيمة المسخرة بالجبر. ولذلك سلب مناصب الشهادات، ومعظم الولايات، ونقصت حدوده عن حدود الأحرار، إشعارًا بخسَّة المقدار.

وكونه: له أجره مرتين؛ إنما ذلك لتعدد الجهتين؛ لأنه مطالب من جهة الله تعالى بعبادته، ومن جهة سيده بطاعته، ومع ذلك فالحر وإن طولب من جهة واحدة، فوظائفه فيها أكثر، وغناؤه أعظم، فثوابه أكثر. وقد أشار إلى هذا أبو هريرة بقوله: (لولا الجهاد والحجّ وبرُّ أمِّي لأحببت أن أموت عبدًا) أي: لولا النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه الأمور.

و(نعمَّا) هي: نعم التي للمدح وزيدت عليها (ما) النكرة، وهي في موضع نصب على التمييز، كقوله تعالى: {فَنِعِمَّا هِيَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>