ومنها: أن بيع الخيار موضوع لتمام البيع، واستقراره. لا للفسخ. وهو أحد القولين عندنا. وقيل: هو موضوع للفسخ. والأول أولى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن شاء أمسكها) والإمساك: استدامة التمسك لما قد ثبت وجوده، كما قال صلى الله عليه وسلم لغيلان:(أمسك أربعًا، وفارق سائرهن)(١) أي: استدم حكم العقود السابقة. وقد بيَّناه في الأصول.
و(قوله: وإن سخطها ردَّها وصاعًا من تمر) وفي أخرى: (صاعًا من تمر لا سمراء) وفي أخرى: (صاعًا من طعام لا سمراء). ذهب الشافعي وأكثر العلماء: إلى أنه لا يجوز فيها إلا الصَّاع من التمر. وقال الداودي: الطعام المذكور هنا هو: التمر. وذهب مالك: إلى أن التمر إنما ذكر في الحديث؛ لأنه أغلب قوتهم، فيخرج الغالب من قوت بلده؛ قمحا، أو شعيرًا، أو تمرًا؛ متمسكًا بعموم قوله:(طعام) فإنَّه يَعُم التمر وغيره. ومستأنسًا بأن الشرع قد اعتبر نحو هذا في الدِّيات، ففرض على أهل الإبل إبلًا، وعلى أهل الذهب الذهب، وعلى أهل الورق الورق. وكذلك فعل في زكاة الفطر. وقد روي عن مالك رواية شاذَّة: أنه يخرج فيها مكيلة ما حلب من اللبن تمرًا، أو قيمته. وقد تقدَّم قول أبي حنيفة وزُفر. وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى: يخرج القيمة بالغة ما بلغت. وأحسن هذه الأقوال مشهور مذهب مالك؛ لما ذكرناه، والله أعلم.
واختلف أصحابنا فيما إذا رضي البائع بقبولها بلبنها. فأجازها بعضهم، وقال: هي إقالة. وقال غيره: لا يجوز؛ لأن اللبن غير متعين؛ إذ لا يتميز كائنه عن حادثه، فكيف تصح الإقالة فيه؟ !