العمل ولا مال له. فاقتضت حكمة الشرع أن يرفق بكل واحد منهما على ما تيسر غالبًا. ولما ظهر له ذلك طرد المعنى، فحيث دعت الحاجة إلى ذلك أعملها. وعلى هذا فتجوز المساقاة في النخل بعد الطيب. وفي الزرع إذا عجز عنه أهله. والله تعالى أعلم.
و(قوله: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر) وفي لفظ آخر: (عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع) بإثبات لفظ: (أو) التي للتنويع. أو بمعنى:(الواو) كما قال في الرواية الأخرى: (على نصف ما يخرج منها من الثمر والزرع) بغير ألف، وظاهر هذا الحديث: أن أرض خيبر - أعني: بياضها - كان كثيرًا، وأنه كان مقصودًا له صلى الله عليه وسلم ولهم، وأنه ضم المساقاة في الأصول وكراء الأرض بما يخرج منها في عقد واحد. ويتمسَّك به من قال: يجوز كراء الأرض بجزء مما تنبت، كما تقدم (١). ويتمسَّك به أيضًا من جوز أن يضم إلى المساقاة عقد غيرها.
قلت: والجمهور على ترك هذا الظاهر لما تقدَّم في منع كراء الأرض بجزء مما يخرج منها. وإذا منع ذلك منفردًا للغرر والرِّبا؛ كان أحرى، وأولى أن يمنع إذا اجتمع مع غيره مما يكثر فيه الغرر، ولما كان ذلك حمل الجمهور هذا على أحد محملين.
فأمَّا مالك فقال: إن بياض خيبر كان قليلًا تابعًا للأصول بين أضعاف السو د، فجاز ذلك فيه لتبعية الأصول، وشرط في الجواز اتفاق البياض والأصول في الجزء. فلو اختلفا في الجزء لم يجز لزوال التبعية.
وقال غيره: يجوز أن يكون الذين ساقى غير الذين زارع. وتكون مزارعته لمن زارعه منهم على الوجه الجائز فيها، ثم إن الراوي نقل ذلك جملة، ولم يفصل كيف وقعت المزارعة، ولا من الذين سوقوا من الذين زورعوا، والله تعالى أعلم.