للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَتَّى تُزهِيَ. قَالُوا: وَمَا تُزهِيَ؟ قَالَ: تَحمَرُّ.

ــ

لا تحتاج إلى تبقية، ولا إلى سَقي، فيكون ضمانها من المشتري على كل حال.

حجة القول الثاني: ما تقدَّم من الحديث. ويعضد ذلك: بأنها بقي فيها حق توفية. فكأنها لم تقبض. وذلك: أنها محتاجة إلى بقائها إلى تكامل طيبها على أصولها؛ إذ بقي على البائع سقيها إلى انتهائها، فكان ذلك كالتوفية بالكيل والوزن. فما بيع من ذلك فهلك قبل كيله ووزنه، فمصيبته من بائعه قولًا واحدًا.

وأما تفريق مالك بين القليل والكثير فوجهه: أن القليل معلوم الوقوع، بحكم العادة؛ إذ لا بدَّ من سقوط شيء منه، وعفنه، وتتريبه (١). فكأن المشتري دخل عليه، ورضي به، وليس كذلك الكثير. فإنه لم يدخل عليه. فلما افترق الحال في العادة فينبغي أن يفترق في الحكم. وإذا لم يكن بُدٌّ من فرق بينهما، فالقليل ما دون الثلث. والكثير: الثلث فما زاد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الثلث، والثلث كثير، أو كبير) (٢).

ثم هل يعتبر ثلث مكيله الثمرة، أو ثلث الثمن؟ قولان:

الأول لابن القاسم. والثاني لأشهب. وقد اعتذر لأبي حنيفة رحمه الله تعالى عن الأمر بوضع الجوائح: بأن ذلك إنما كان في حق من باع الثمرة قبل بدوِّ الصلاح، كما كانوا يفعلون قبل النهي عن ذلك. وأجيب بأن ذلك تخصيص لا دليل عليه. فإن الأمر بوضع الجوائح عام. وأيضًا: فقوله صلى الله عليه وسلم: (لو بعت من أخيك ثمرًا. . .) يدل على البيع الشرعي، لا الممنوع. فكيف يذكر البيع الفاسد، ولا ينهى عنه، ولا يبين فساده، ثم يعدل عنه في إبطاله إلى أمر خارج عنه؛ فظاهر هذا الحديث: أن هذا البيع وقع صحيحًا. وذلك لا يكون إلا بعد الزهو، ثم طرأت الجائحة. فعلل منع حِلِّيَةِ المال بها. وحاصل ما ذكرنا: أن الأمر بوضع الجائحة يتضمن صحة بيع ما توضع فيه الجائحة لا إفساده. وهذا واضح لمن تأمَّله.


(١) أي: لزق به التراب، وتلوَّث به، وتلطَّخ.
(٢) رواه البخاري (١٢٩٥)، وأبو داود (٣١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>