للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ تَمرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هَذَا اللَّونَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَنَّى لَكَ هَذَا؟ . قَالَ:

ــ

قلت: وهذا لا يدل على النسخ، وإنما يدل على الأرجحية.

وثانيهما: إن قوله: (لا ربا إلا في النسيئة). إنما مقصوده نفي الأغلظ الذي حرَّمه الله بنص القرآن، وتوعَّد عليه بالعقاب الشديد، وجعل فاعله محاربًا لله، وذلك بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ} إلى آخر الآيات، وما كانت العرب تعرف ربًا إلا ذلك، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم: إما أن تقضي، وإما أن تربي؛ أي تزيد في الدَّين. وهذا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لما قال: (ألا إن كل ربًا موضوع، وإن أول ربًا أضعه ربانا ربا عباس) (١). وهذا كما تقول العرب: إنما المال الإبل، وإنما الشجاع عليٌّ، وإنما الكريم يوسف ابن نبي الله. ولا عالم في البلد إلا زيد. ومثله كثير. يعنون بذلك نفي الأكبر والأكمل، لا نفي الأصل. وهذا واضح. ومما يقرب فيه هذا التأويل جدًّا رواية من روى: (لا ربا فيما كان يدًا بيد) أي: لا ربا كثير أو عظيم، كما قال: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) (٢) أي: لا صلاة كاملة.

قلت: ويظهر لي وجه آخر وهو حسن. وذلك: أن دلالة حديث ابن عباس على نفي ربا الفضل دلالة بالمفهوم، ودلالة إثباته دلالة بالمنظوم. ودلالة المنظوم (٣) راجحة على دلالة المفهوم باتفاق النظار، والحمد لله.

و(قول أبي سعيد: كان تمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اللون) يشير به إلى أنه نوع


(١) رواه أحمد (٥/ ٣٧ و ٣٩ و ٤٩)، والبخاري (١٠٥ و ١٧٤١ و ٣١٩٧ و ٤٤٠٦)، ومسلم (١٦٧٩)، وأبو داود (١٩٤٨)، وابن ماجه (٢٣٣).
(٢) رواه البيهقي (٣/ ٧٥ و ١١١)، والدارقطني (١/ ٤٢٠)، والحاكم (١/ ٢٤٦).
(٣) في (ج ٢): المنطوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>