للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَا يَنبَغِي عِندَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، وَقَالَوا: مَا شَأنُهُ، أَهَجَرَ؟ استَفهِمُوهُ.

ــ

ليس على الوجوب وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح (١)، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: {تِبيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ} ومع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى أن يكتب متمسِّكة بظاهر الأمر واغتنامًا لزيادة الإيضاح ورفع الإشكال، فيا ليتَ ذلك لو وقع وحصلَ! ولكن قدَّر الله وما شاءَ فعل.

ومع ذلك فلا عتب ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: دعوني، فالذي أنا فيه خير، وهذا نحو مِمَّا جرى لهم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة (٢)، فتخوَّف ناسٌ فوت الوقت فصلُّوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلِّي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت! قال: فما عنف واحدًا من الفريقين. وسبب ذلك أن ذلك كله إنَّما حمل عليه الاجتهاد المسوَّغ والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب أو أحدهما مصيب والآخر غير مأثوم بل مأجور - كما قررناه في الأصول.

وقوله وما ينبغي عند نبي تنازع؛ أي اختلاف، هذا إشعار بأن الأولى المبادرة إلى امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يتوقف في شيء منه إذا فهم مقصوده ولم يُشكل منه شيء، كيف لا وهو المبلِّغ عن الله أحكامه ومصالح الدنيا والدين!

وقوله أهجرَ؟ استفهموه، كذا الرِّواية الصحيحة في هذا الحرف أهَجَرَ؟ بهمزة الاستفهام، وهَجَرَ بالفتح بغير تنوين على أنَّه فعل ماض، وقد رواه بعضهم أهُجُرًا بفتح الهمزة وبضم الهاء وتنوين الراء على أن يجعله مفعولًا


(١) في (ع): إلى الأوْلى.
(٢) رواه البخاري تعليقًا (٢/ ٥٣)، ومسلم (١٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>