للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي أخرى: أَمسِكُوا عَلَيكُم أَموَالَكُم وَلَا تُفسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَن أَعمَرَ عُمرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ.

وفي أخرى: جَعَلَ الأَنصَارُ يُعمِرُونَ المُهَاجِرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَمسِكُوا عَلَيكُم أَموَالَكُم.

وفي أخرى: قَالَ عليه الصلاة والسلام: العُمرَى جَائِزَةٌ.

ــ

وأمَّا قوله: (أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها) فإنه من باب الإرشاد إلى الأصلح؛ لأن الإعمار يمنع المالك من التصرف فيما يملكُ رقبته آمادًا طويلة، لا سيما إذا قال: هي لك ولعقبك؛ فإن الغالب: أنها لا ترجع إليه، كما قررناه. ولا يصح حمل هذا النهي على التحريم؛ لأنَّه قد قال في الرِّواية الأخرى: (العمرى جائزة لمن وهبت له) (١) أي: عطيَّة جائزة، ولأنها من أبواب البر، والمعروف، والرفق. فلا يمنع منه. وقول ابن عباس: لا تحِلُّ العُمرى ولا الرُّقبى؛ محمول على ذلك، فإنه قال إثر ذلك: فمن أعمر شيئًا فهو له، ومن أرقب شيئًا فهو له (٢). فقد جعلهما طريقين للتمليك. فلو كان عقدهما حرامًا كسائر العقود المحرَّمة لأمر بفسخهما.

وأمَّا قوله: (فهي للذي أعمرها حيًّا وميتًا) فيعني بذلك: إذا قال: هي لك ولعقبك؛ فإنَّه ينتفع بها في حياته، ثم ينتقل نفعها إلى عقبه بعد موته. وهذه الرواية وإن وقعت هنا مطلقة؛ فهي مقيدة بالروايات الأخر التي ذكر فيها العقب، لا سيما والرَّاوي واحد، والقضية واحدة. فيحمل المطلق منها على المقيَّد قولًا واحدًا، كما قررناه في الأصول.

و(قوله: إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يقول: هي لك ولعقبك؛ أي: أمضى جوازها وألزمه دائمًا على ما ذكرناه.


(١) قوله: لمن وُهبتْ له: ليست في التلخيص.
(٢) رواه النسائي (٦/ ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>